دمشق ياسمينة الحضارات
إباء الخطيب/ سوريا
مدينة عريقة معجونة بالسحر.. من يزورها يتغلغل فيه عبق التاريخ الممزوج مع سحر الحاضر.
مدينةٌ أمٌّ، ولا نبالغ في هذا الوصف، ففيها من الحنان الكثير..
وربما هذا الحنان والدفء، وتلك الألفة، هي من جعلتها وجهةً سياحية منذ القدم لكلّ توّاق للسحر والراحة وللآثار الدالة على التاريخ، وللسكينة الروحية
للثقافة والشعر
للعطور والرياض والحُسن
كل هذا في دمشق! أقدم عاصمة في التاريخ.
فبحسب المصادر يعود تاريخ نشوئها إلى تسعة آلاف عام قبل الميلاد وقد أصبحت عاصمة منطقة سوريا منذ عام 635
لدمشق أسماء وألقاب تاريخية عديدة يصعب ذكرها منها:
جلق, درة الشرق, شامة الدنيا, شام شريف, كنانة الله, دامسكا, الفيحاء
أتيماشكي, ديماس, يماسكوس, الدار المسقية, مدينة الياسمين, الشام
وقد ضُمت إلى لائحة التراث العالمي 1979، وهي تضم اليوم أكثر من مئة موقع أثري هام.
تعاقبت على دمشق حضارات عدّة منذ العصر البرونزي
ونالت أهمية بارزة في عهد الآراميين حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد
ومن بعده في العهد السلوقي والروماني وهكذا وصولًا إلى الفتح الإسلامي وتربع دمشق على مكانتها المرموقة كعاصمة للدولة الأموية ومركزًا حضاريا وثقافيًا مشعًا..
تعج دمشق بالمعالم التاريخية والحضارية الجاذبة سياحيًا، بالإضافة إلى جغرافيتها المميزة، إذ إنها تقع في جزء منها على سفوح جبل قاسيون الشهير، وتحيط بها بساتين غوطة دمشق ويمر بها نهر بردى..
ومن أبرز تلك المعالم السياحية:
قصر العظم:
يعود بناؤه للقرن الثامن عشر الميلادي ويقع في دمشق القديمة في نهاية سوق البزورية بناه والي دمشق أسعد العظم عام 1749
يعطي انطباعًا عن الفن المعماري في دمشق زمن العثمانيين وفيه أقسام تعود لتاريخ أقدم
له بوابة ضخمة ضمنها باب يدعى باب الخوخة وبعد ترميمه أصبح بحلة بهية ورائعة وارتبط بالفلكلور السوري والتقاليد المعروضة فيه متحولًا إلى متحف.
وفيه روح الفن المعماري الدمشقي من قاعات مزخرفة وحدائق ونوافير وحجارة ملونة.
قلعة دمشق:
تعود للعصر الأيوبي وتقع في الركن الشمالي الغربي من أسوار المدينة، وتستمد أهميتها السياحية من كونها تمثل الفن المعماري العسكري بأجمل تجلياته، لها ثلاثة أبواب واثنا عشر برجًا كل منها فيه طوابق متعددة لها شرفات.
سكن القلعة عبر العصور الملوك والأمراء والسلاطين والوجهاء والعلماء.
من ميزاتها أنها مبنية على أرض مستوية وليست على قمة بارزة كمثيلاتها من قلاع العصور الوسطى.
دمشق القديمة: المتميزة بالبيت الدمشقي والذي يسمى البيت العربي وهو طراز معماري فريد.
تقع منطقة دمشق القديمة داخل أسوار المدينة التاريخية وتضم العديد من الأحياء العريقة والمساجد والكنائس والأسواق الشعبية المميزة والمعالم البارزة والجاذبة سياحيا كالجامع الأموي والبيمارستان النوري والمتحف الحربي وسوق المهن اليدوية..
* نزار قباني:
لدمشق مكانة ثقافية مرموقة عبر التاريخ ولطالما كانت وجهة الأدباء والمثقفين
أما شاعرها الذي ارتبط اسمه بها فهو نزار قباني وهو الذي قال: هل تعرفون معنى ان يسكن الإنسان في قارورة عطر؟
وكان يقصد بيته الدمشقي الذي ولد فيه عام 1923م لأسرة دمشقية عريقة فجده أبو خليل القباني رائد من رواد المسرح العربي.
هو شاعر ودبلوماسي عمل في السلك السياسي وتنقل بين عدة بلدان إلا أن دمشق سكنت روحه حتى أنك تكاد تشمّها مع عبير كلماته.
ديوانه الأول: قالت لي السمراء 1944
وله خمسة وثلاثون ديوانًا عن الحب والمرأة والأرض والوطن والانتماء وإن كان لشعره العاطفي بالغ الأثر في نفوس قرائه فلشعره السياسي أيضًا أثره الكبير والممتد.
مما لا شك فيه أن الشعر مع نزار قباني انتقل إلى مرحلة جديدة اقترب فيها كثيرًا من الناس من وجدانهم وأرواحهم وكان له دوره الفاعل في تحديث الشعر من حيث الموضوعات واللغة فكان سائسها المحترف..
توفي نزار قباني عن عمر 75 عامًا في لندن عام 1998 ، عمرٍ مكتظ بالتجارب والشعر والسفر والخيبات والنكسات أقساها وفاة زوجته بلقيس في انفجار استهدف السفارة العراقية في بيروت.
ودفن نزار في دمشق تلبية لوصيته التي كتب فيها واصفًا إياها:
«الرحم الذي علمني الشعر، الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين»
أما دمشق فقد كانت شريكة هذه التجربة الشعرية الفريدة فخصص لها قصائد عدة
كقصيدة ترصيع بالذهب على سيف دمشقي التي مطلعها:
هل مرايا دمشق تعرف وجهي
من جديد أم غيرتني السنين؟ يا زماناً في الصالحية سمحاً أين منّي الغِوى وأين الفتون
والقصيدة الدمشقية التي قال فيها:
هذي دمشق وهذي الكفّ والراحُ
إنّي أحبُّ وبعض الحبِّ ذبّاحُ
لقد غالى قباني في حبه لدمشق وتدفقت في شرايينه على الرغم من ترحاله المتكرر عنها، فكانت الحبيبة والأم والوطن وخيراته وناسه كيف لا وهو القائل:
أنا الدمشقي لو شرّحتمو جسدي
لسال منه عناقيدٌ وتفاحُ
ولو فتحتم شراييني بمُديتكم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا.
Comments