top of page

صدور كتاب (لهجاتنا) للدكتور إبراهيم طلحة


 

كتاب لهجاتنا للدكتور إبراهيم طلحة
كتاب (لهجاتنا) للدكتور إبراهيم طلحة

يصدر قريبا كتاب (لهجاتنا) للدكتور إبراهيم طلحة، عن دار (مواعيد) وهنا ما كتبه الدكتور صلاح جرَّار "وزير الثقافة الأسبق في المملكة الأردنية الهاشمية والأديب والمحاضر الأكاديمي":

دكتور صلاح الجرار
دكتور صلاح الجرار

الخوضُ في موضوع اللهجات العربية مغامرةٌ لا يقدم عليها إلَّا مَنْ كانَ متمكّنًا مِنْ أدواتهِ، وواثقًا من منهجهِ وخطواتِه، ومطمئنًا إلى رؤيته، ومحيطًا بمادّة بحثهِ ودراستهِ، ولا سيَّما إذا كانَ البحثُ في اللَّهجاتِ العربيَّة لا يقتصِرُ على لهجةٍ بعينِها أو لهجاتِ إقليمٍ عربيٍّ بعينه، ولا يقفُ عندَ حدُودٍ زمنيَّة.

          وهذا البحث الذي بين أيدينا يتناول اللهجات في بلدان العرب كافَّة، منذ أقدم العصور إلى يومنا هذا، ويتناول موضوعها من زوايا كثيرة وواسعة؛ وهذا جهد لا ينهض به أو يتصدَّى له إلَّا من كان على اطِّلاعٍ ومعرفةٍ واسعَيْنِ باللهجات العربيةِ القديمةِ (أو ما كان يُعرفُ باللُّغات)، ومن كان على اتّصال مباشرٍ مع المتحَدِّثين باللَّهجات العربيَّة المعاصرة من أبناء الأقطار العربيَّة، وهذه شروط لا تتيسَّر إلَّا لقِلَّةٍ من الباحثين العاكفين على العِلْمِ والتَّنْقِيبِ، والمتَّصفينَ بِالجلَد والجدِّ والانتماءِ الصَّادقِ لرسالةِ العِلْمِ.

وأستطيع أن أقول من غير تردُّدٍ: إنَّ من قام بهذا البحث وقدَّمه لنا على هذهِ الصُّورة من الإحكام والإتقانِ والدِّقَّةِ قد امتلَك شروط النُّهوضِ بمثلِ هذا البحثِ، وامتلكَ الأدواتِ اللَّازمةَ لِلْخَوْضِ فيهِ مُنطَلِقًا مِنْ معرفةٍ وثقافةٍ ووضوحِ رؤية.

دكتور إبراهيم طلحة
دكتور إبراهيم طلحة

          لقد أسعدني الصَّديقُ العزيزُ الأستاذُ الجامعي، والأديبُ البارعُ، المتخصّصُ في الدِّراسات اللُّغوية واللِّسانيات الحاسُوبيّة الدكتور/ إبراهيم طلحة، عندما بعثَ إليَّ بهذا الكتابِ النَّفيس كَيْ أصدّره بكلمة منّي؛ لأنَّهُ أتاحَ لي فُرصَةً ثمينةً بقراءة إنجازٍ عِلْميٍّ مُتَميّزٍ وجُهْدٍ يستحقُّ كلَّ الثَّناء والتَّقدير، كما أنَّ هذا صادَفَ هوىً في نفسي؛ لأنَّ لَدَيَّ اهتمامًا بتأصيلِ الكلمات العاميَّة وردِّها إلى أُصُولها الفصيحة.

          ولا يَظُنَّنَّ أحدٌ أنَّ دراسة اللَّهجات العربيَّة تعني التَّرويج لها أوِ الدَّعوة إلى استعمالها في مناحي الحياة كافَّة، وإنما كانَ الباعث عليها هو ما للَّهجات من أهميَّةٍ بالغةٍ وما لها من علاقةٍ وطيدةٍ بالعربيَّة الفصيحةِ، وأنهما تَصْدُرانِ مِنْ مِشْكَاةٍ واحدةٍ، كما يقول المؤلِّف. ولذلك يقول: إنَّ اللهجات هي جزءٌ أصيلٌ من نظام اللغة، ويرى أنَّ معالجتَها جُزءٌ من الحلول والمعالجات اللُّغوية في عمومها، وأنَّه بذلك تتَّضح ضرورة دراسة اللهجات المحليَّة دِراسةً عِلْميَّة، وإيجاد حلولٍ لتنميةِ الفصحى «بعيدةٍ عن التعسُّف تجاه العاميّة أو اعتبارها نوعًا من العقوق والانحطاط والابتذال»، وفي الوقت الذي ينفي فيه أن تكون دراسة اللهجات «فكرة تآمرية أو مسألة معيبة» فإنه يرى أنَّ ذلك لا يعني أن نعتمد اللَّهجات لُغات تواصل وتعليم وإعلام، ويرى أنَّ اللهجة لا يمكن أن تجاريَ اللغة الفصحى من حيث توليد الإبداع وفهم الإرث الأدبي والعلمي.

إنَّ مِنْ أهَمِّ الشواهد على موضوعيَّة المؤلّف في هذه الدراسة أنَّه في الوقت الذي بيَّن فيه أهميَّة اللهجات وضرورة دراستها، دعا إلى عدم اعتمادها في مجالات اللغة العليا الأدبيَّة «أو أن نكتُبَ ونخطبَ ونعلّمَ وندرّسَ بهذه اللهجات، فاللغة الأدبيَّة المشتركة، أو اللغة المعيارية القياسية، هي لغة العلوم والمعارف والبلاغة والبيان في كل زمان ومكان، وهي اللُّغة العليا في كلّ بلاد الدُّنيا».

          وثمَّة شهادَةٌ عِلْمِيَّةٌ على هذا الموقف الموضُوعيِّ للمؤلِّف ودَليلٌ ماثلٌ بين أيدينا، وهو هذه اللُّغة الرفيعة الرصينة الصافية الجامعة بين العِلْميَّة والأدبيَّة للمؤلّف الدكتور/ إبراهيم طلحة في هذا الكتاب. وثمَّة ـ أيضًا ـ دليلٌ آخَرُ وهو ما عرفناهُ عن الدكتور طلحة من انشغالٍ بالأدب والشعر خاصَّة بما أصدره من دواوين شعرية ذات لغةٍ عاليةٍ محلّقة، وقد أسعدني كثيرًا أنَّه كان واحدّا من المشاركين في ديوانَيْنِ جماعيَّين كنتُ أحد المشرفين مع الشاعر سعيد يعقوب على إصدارهما، وهما: ديوان (رباعيات جِنين) ـ (دار الخليج للنشر والتوزيع، عَمّان، ٢٠٢٣)، وديوان (طوفان الأقصى) ـ (دار الخليج للنشر والتوزيع، عَمّان، ٢٠٢٣)، فلا يمكن لمن بلغَ هذا المبلغَ من حُبِّ العربيَّة والتفنُّن في آدابها أنْ يكونَ من دُعاةِ استعمال العاميَّة في مواطن الفصحى ومجالاتها.

يمتازُ هذا الكتابُ بالدِّقةِ والأمانةِ والشُّمولِ والموضوعيَّةِ، وقد وقفَ مؤلّفه الدكتور/ إبراهيم طلحة عند كثيرٍ من القضايا والمسائل الأساسيَّة والفرعية في مجالِ اللهجات، ووفَّر للدارسينَ في هذا الحقلِ مرجعًا وافيًا وأساسيًّا موثوقًا يُغني الدارس والقارئ والباحث. وهو إلى جانب ذلك بحث «فيه الفريد والجديد والممتع والمفيد»، كما يصفه صاحبه.

          وقد تضمّن الكتابُ الكثيرَ من القضايا والمعلومات التي يحتاج إليها الدَّارس في مجالِ اللهجات واللسانياتِ، مثل: الظواهر اللغوية القديمة، ومنها: الكشكشة والشنشنة والعنعنة والفحفحة والعجعجة والوتم واللخلخانية والطمطمانية والاستنطاء والتلتلة وغيرها.

          ومن المباحث المهمَّة ـ أيضًا ـ صُوَرُ التغيُّر الصَّوتي في اللهجات، كالإعلال والإبدال والقلب والإدغام والإمالة وغيرها، وقدَّم أمثلة على كلّ صورة من الصور وظاهرة من الظواهر.

كما تحدَّث عن صُوَرِ التطوُّرِ الدّلالي في اللهجات، ومنها: تخصيصُ الدلالة، وتعميمُ الدلالة، وانحطاط الدلالة، ورُقِيُّ الدلالة، وانتقالُ الدلالة، ومثَّل على كلّ صورةٍ منها.

          وتحدَّث عن معاني حروف المعجم، وساق أمثلة طريفة على النحت اللغوي في اللهجات.

          وتحدَّثَ في مواضعَ كثيرة من الكتابِ عن علاقة العربيَّةِ باللُّغات الأخرى، كالإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفارسية والتركية والأوردية، وغيرها، مُورِدًا أمثلة من الكلمات المستعملة في هذه اللغات.

          وممَّا يعدُّ إضافة مهمَّة وجديرة بالاهتمام في هذا الكتاب ما اقترحه المؤلّف من تصنيف عربيّ للهجات، وأنا هنا أؤكدُ ضرورةَ نسبته إليه، وأن نُطلِقَ عليه اسمَ: «تصنيف طلحة العربيّ» ، وذلك بعد أن عرَض لنا المؤلّفُ تصنيفاتٍ أخرى غير عربيَّة للهجات العربيَّة، وما أحرانا أن يكونَ لنا تصنيفنا العربي ما دام الأمرُ يخصُّ لهجاتِنا العربيَّةَ، وأدعو إلى اعتمادِهِ مرجعًا وتصنيفًا عالميًّا.

ويقوم تصنيفُ طلحةَ العربيّ على تقسيمِ اللهجات العربية الحديثة إلى: 

لهجات شبه الجزيرة العربية، ولهجة الشام، واللهجات العراقية، ولهجات النيل، واللهجات المغاربيّة، وبشكل مفصَّل فإنه وزَّعها ـ إجمالًا ـ على أربع مجموعات إقليمية لهجية كبرى، وحدَّد لها رموزًا:

          فلهجات شبه جزيرة العرب والعراق، يرمز لها اختصارًا بالرَّمز: (ل. شجع)، ولهجات الشام، يرمز لها اختصارًا بالرَّمز: (ل. شام)، ولهجات مصر والسودان وأجزاء من شمال إفريقيا، يرمز لها اختصارًا بالرَّمز: (ل. شمس)، ولهجات دول المغرب العربي وأجزاء أخرى من شمال إفريقيا، يرمز لها اختصارًا بالرَّمز: (ل. شمع)، مع تصميمٍ لها.

          وقدَّم المؤلّف للحديث عن هذا التصنيف، بالحديث عن اللهجات العربية القديمة: لهجة قريش، ولهجة تميم، ولهجة الأزْد، ولهجة هُذيل، ولهجة طيئ، ولهجة كنانة، ولهجة حِمْيَر، ولهجة جُرهم، ولهجة خثعم، ولهجة ثقيف، ولهجة هوازن... وغيرها.

          وممَّا يسجّلُ لِهذا الكتابِ أنَّه يَقُوْمُ على منهجٍ وصفيٍّ تحليليٍّ مَشْفُوعٍ بملامح من المنهجِ التقابُليِّ والمنهجِ المقارنِ والمنهجِ الإحصائيِّ، في بناءٍ محكَمٍ وهندسةٍ دقيقةٍ تخدمُ موضوعَ الدراسةِ وأهدافَها ونتائجَها.

          كما تتميَّزُ هذه الدِّراسةُ بِدِقَّةِ اسْتِخدامِ المصطلحات والتَّفريق بينَ دلالاتها، كالتفريق بين اللسان واللُّغة والكلام، والتفريق بين اللَّهجة واللكنة، وغير ذلك.

          ويُشكَرُ للمؤلِّفِ ما بذلهُ من جُهْدٍ في إعدادِ جداولَ لمعْجَمةٍ لُغَوِيَّةٍ دلاليَّةٍ مقاربة، وما ألحقَ بِهِ كِتابَهُ مِنْ فهارسَ تحليليَّةٍ متنوّعةٍ، تيسّر على الباحثِ والقارئِ الوصولَ إلى مبتغاهما.

أمَّا مصادِرُ هذا الكتابِ ومراجعُه فهي غنيَّةٌ ومتنوّعةٌ، وتُواكِبُ الدّراساتِ الحديثةَ ولا تُغْفِلُ الدِّراساتِ والأبحاثَ العربيَّةَ والأجنبيَّةَ، وتدلُّ على جُهدٍ بالغٍ واستقصاءٍ واسع، وجاءتِ التَّوثيقاتُ والإحالاتُ دقيقةً ومفيدةً.

          وقد أثبتت هذه الدّراسةُ أنَّ جميع الكلمات اللهجيّة لها أصول فصحى، إلَّا أنَّه طرأ عليها تغيير من نوعٍ ما، كالإبدال أو القلب أو الإمالة أو الحذف أو غيرها. وهذا يُفضي بنا إلى رسالةٍ خفيّة أو خلفيّة تنطوي عليها هذه الدراسةُ، وهي أنَّ اللغة العربيَّة ـ سواءً أكانت فصيحة أم لهجيَّة محكيَّة ـ توحّدها جذورها، وأنَّها تظلُّ عنصرًا جامعًا لأبناء الأمَّة مهما تباعدت أوطانهم أو تعدَّدت لهجاتهم.

          وفي الختام أقول بأنَّ كتاب «لهجاتنا» ـ تأليف الدكتور إبراهيم طلحة، يمثّل إضافة نوعيَّةً متميّزةً في حقْلِ الدِّراساتِ اللُّغَويَّةِ واللِّسانية، وفي موضوعِ اللهجات على وجه الخصوص.

          أهنئ الدكتور/ إبراهيم طلحة على هذا الإنجاز النوعيَّ، وأسألُ الله ـ تعالى ـ له مزيدًا من العطاء والتميّز والتوفيق.

الأستاذ الدكتور/ صلاح جرَّار

   عمّان، في 10/1/2024م

bottom of page