top of page

دينا الشيخ: وعي الشعوب وثقافة الآخر

تاريخ التحديث: ١٨ يناير


الشاعرة دينا الشيخ -  كندا
دينـا الشيخ

وعي الشعوب وثقافة الآخر

" يجب ألا تفقد إيمانك بالإنسانية"

                             المهاتما غاندي

    دينا الشيخ: وعي الشعوب وثقافة الآخر وعلاقة وسائل التواصل الاجتماعي بالمتغيرات في الوعي الجمعي: ثمة علاقة أزلية راسخة ومتأصلة بين أبناء الجنس البشري بكل أطيافه وجذوره. قد نرى الآخر باختلاف عرقه ودينه وثقافته وبعده الزماني أو المكاني عنا ونشعر بكامل الغرابة من لبسه ولغته بأصواتها التي لم نألفها في تعاملنا اليومي.

الأرض هي الأم التي أنجبت الشعوب وغذت بفطرتها وغريزتها البيئية ملامحهم وثقافتهم المتوارثة، ولكن لا ثابت رغمًا عن حدود الاستعمار وشدة حرص كل دولة على رسم حدودها والاستماتة في الحفاظ على كل شبر. فهل في ظل ثورة هذا الاتصال المعرفي المفتوح والذي ينقل لك في غرفة نومك ما يحدث في سيريلانكا وغزة ولندن في هاتفك الصغير، هل سيبقى العقل متحجرًا في فكر السياسات التي تخطها الدول لنفسها أو التي خطها الاستعمار سابقا؟ الإجابة قطعًا لا.

الحقيقة التي كانت قديمًا تخفى بكل وسائل الدكتاتورية، الآن في متناول الجميع، لا تحتاج للترجمة من مترجم متخصص ينقل بعضها ويخفي ما لا يريد أن يصل إليك.

   الآن ثقافات الشعوب تتحرر من القبضة الحديدية لتوجيه الوعي الجمعي بشكل متسارع، بل أصبحت الشعوب تلعب دورًا في الضغط على ساستها لتغيير مسار قضية ما. نعم كلمة الديمقراطية التي استهلكها الساسة بشكل ممل، حظيت بوضعها المرموق في أفواه الكثيرين من الدعاة الذين استخدموها لأغراض قد تكون شخصية في كثير من المواقف، لكنها لم تتحقق بشكل خالص وعميق، لذلك وصلت الشعوب في الدول التي تدعيها، إلى حال من عدم الإيمان برؤية من يرددها من أبواق الحكومات في بلادهم. الشعوب الآن أكثر إيمانًا بالآخر من أي وقت مضى. الاحتكاك المباشر مع المهاجرين على مدى عشرات السنين ولد تيارًا جديدًا من المفكرين الذين يدعمون فكرة الصوت الآخر، والذي كانت النظرة له لا تتعدى أنه مواطن من الدرجة الثانية. حدث هذا بعوامل الاختلاط والتمازج مع ما يُحمل إلى محيط الثقافة الغربية من تيارات ثقافية مغايرة ومن مصادر معرفية مختلفة. للأجيال الجديدة التي نشأت في خضم هذا المزيج العرقي والاختلاط الذي لن يتوقف، كلمتها ورأيها الخاص بها. هذا التغيير في الخارطة الجينية الثقافية قد يكون بطيئًا، ولكنه ذو تأثير عارم على المدى البعيد.

ثقافة تقبل الآخر وفتح معابر للعنصر الإنساني المحض، الذي نعرفه داخلنا، غاضين النظر عن القشور التي تخفي هذا المعنى الجوهري والذي نتحد فيه ونتشاركه جميعًا، ألا وهو الإنسانية، لها دورها الذي لا يخفى ويمكن أن تؤثر على قوانين تقاسم الحياة والأرض على هذا الكوكب وأن تخفف حدة الصراعات على البقاء بين الدول.

لا شك في قوة الأدب والثقافة وتأثيرهما الفاعل في التواصل بين الشعوب، خاصة في هذا العصر المنفتح معرفيًّا.

ولأن الأدب مرآة تنقح الرؤيا والفكر وتحاور الآخر وتوصل المعنى بشكل أعمق وأكثر روّية، لعب -وما زال- دورًا كبيرًا في شد أذن الآخر إلى زاوية الحقيقة بشكل واعٍ ومتروٍ. تفاعل الشعراء ليس العرب فقط منهم، بل حتى شعراء الإنجليزية وغيرها في الفترة الماضية مع الحرب في غزة. تفاعل المغنون وفنانو الراب، والممثلون من جنسيات مختلفة مع الحدث الكبير في تاريخ الإنسانية. كتب الشعراء عن الحرب والسلام والحب، وقد أبدى كثير من شعراء الإنجليزية ما يؤكد فكرة أن العالم لم يعد كما كان. هناك شرفة جديدة تطل في الأفق القريب، تمهد الطريق لتيارات أكثر عنفا في تفتقها، وأثرى للعلاقة بين البشر في هذا الكوكب.

     لم تكن (Seagulls Post) بمعزل عما يحدث في العالم. في العدد الخامس، شعراء العربية يكتبون لغزة، وفلسطين حاضرة في أعمال الفنانة التشكيلية الفلسطينية-هنا تميم- في زاوية (ريشة وفنان). ولمزيد من التواصل الثقافي والإنساني بشكل أكثر جرأة، تمكنا الحمد لله من إصدار العدد الأول من النسخة الإنجليزية من المجلة. حرصنا على تنوع المشاركات من دول مختلفة حول العالم، لنعزز معنى التواصل المعرفي والأدبي الذي لا تحده الجغرافيا والعرق والدين.

ولأهمية الماء واتصاله بالصراعات الممتدة عبر التاريخ ودوره الجوهري في بقاء الشعوب ورفاهيتها، كان الملف الخاص في العدد العدد (الكتابة والماء).

bottom of page