top of page

دخيـــــــــــل الخليفـــــــــــة: الجمهــــور لا يتّفــق إلا على النـــــــــــص الســـــــــــيء!


دخيـــــــــــــل الخليفة
الشـــــــاعر الكويتــــــــي دخيـــــــــل الخليفــــــــــــــة

هند محمد
هند محمد - تونس

حـــــــوار

هجر الشعر العموديّ وتجاوز سُلطة المتلقّي

دخيل الخليفة: الجمهور لا يتّفق إلا على النص السيء!

ـ الشعر وهمٌ لغويّ.. هدم وبناء في المتخيّل

ـ مناهجنا المدرسيّة المتخلفة وقفت ضدّ الشعريّة الجديدة

ـ هناك شواعر حين يرتقين المنبر يصرخن كما الرجال!

ـ الشعر أعطى لغتنا العربيّة حيويّتها وتجدّدها المستمر

ـ النقد يعيش خارج الواقع.. أغلب نقادنا لا يتابعون المشهد الشعريّ

ـ خشونة القصيدة العموديّة لا تناسب رقة المرأة


إعداد: هندة محمد

شاعر لا يعترف بحدود الزّمان والمكان والقوالب الجاهزة. يُلقم فكرته خيوط الشّمس، فتطلع فارهة نورانيّة مُحلّقة.

ولاؤه للوطن الإنسان بلا حدّ، ويكتب نصوصه على قياس قناعاته ورُؤاه، فيطرّز بلغته المتفرّدة قصائد كلّما مررتُ بها أُصبتُ بالحيرة والدّهشة معًا، وكلّما ولجتُ إليها أكثر انتابني فرح من يجد جوهرة ثمينة بعد التّنقيب.

عمق وبساطة، عذوبة وقسوة، ثنائيّات تتعانق متنافرة فيما بينها حدّ الضّوء والمتعة والغرابة. الشّعر لديه مشروع إنسانيّ، واللّغة عنده مُحرقة كجمرٍ، منسابة هادرة كماء.

دخيل الخليفة علامة فارقة في التّجربة الشّعريّة الكويتيّة والخليجيّة. شاعر وصحفيّ، ومن أبرز الفاعلين في المشهد الثّقافيّ والإعلاميّ هناك. عمل في صحف عدة، أسس دار "مسارات" للنّشر والتّوزيع. كما ساهم بتأسيس "ملتقى الثلاثاء الثّقافيّ" الذي استمر لمدة 20 عامًا، وتوقف عام 2015م. حاورته Seagulls Post Arabicلنحلّق معًا بين حروفه العالية..

منذ "عيون على بوّابة المنفى" وصولًا إلى ديوانك الثامن الذي صدر حديثًا "وردٌ أسمر يملأ رئتي".. إلى أيّ مدى تخدم العناوين تجربة الشّاعر؟

ـ لكلِّ عصر لغته، سابقًا كانت العناوين تعتمد على مفردة واحدة، أو مضاف ومضاف إليه، تعكس مضمون الداخل، دون أن تضيف معنى آخر. أمّا اليوم، ونحن نمارس حداثتنا "اللغوية على الأقل"، فإنّ العنوان يكون مكملًا للمضمون، ويعتمد أحيانًا على جملة شعريّة من ثلاث إلى خمس كلمات، شرط أن يدهش المتلقي، وهذه من طرق الجذب أيضًا، وانعكاس لرؤية الشاعر.

دخيل الخليفة
ديوان (ورد أسمر يملأ رئتي)

"ورد أسمر يملأ رئتي"، هل هي امتداد لمشروعك الشّعريّ أم تجربة مختلفة؟

ـ لكلِّ شاعر حقيقيّ مشروع شعريّ يمارس فيه فكره، ورؤاه للأشياء والحياة وقضايا الإنسان، يهدم ويبني وفق نظرته الخاصة للعالم، ومن هذا المبدأ كان الإنسان المسحوق همّي الأول، والخط الذي يربط كلّ مجموعاتي الشعرية، وخصوصًا قضايا الهُويّة والأرض والمرأة؛ لكن الجديد في "ورد أسمر يملأ رئتي" هو الاشتغال على قصيدة "التفعيلة المدوّرة" بعمقها وكثافتها اللغويّة، ويتضمن الديوان ثلاثة أبواب، الأول عن العلاقة بالمرأة والتي تصل الى حد الانغماس، ليقيني أن العالم بلا امرأة، سيكون بلا معنى. أما الباب الثاني فيتعلق برحلة البدوي الذي دخل المدينة باحثًا عن هُويّة أخرى تنقذه من ضياعه في الصحراء، لكنّه فقد بوصلته حين واجه خدعة البحر؛ بينما كان الباب الثالث عن أصدقاء أضاعوا بلدانهم في زحمة الحروب، وألاعيب السياسة. ومنذ صدوره في أكتوبر بقي الديوان ضمن الإصدارات الأعلى مبيعًا في مكتبة" تكوين" ودار "الرافدين".

تلك الأبواب التي أشرتَ إليها، هل تعني أنك مُلتزم بحمل قضايا الإنسان والدّفاع عنها؟

ـ لماذا؟ ولمن أكتب إذن إن لم أغترف من قضايا الإنسان ما يجعلني جزءًا من هذا العالم الغارق بلغة الحديد والنار والقتل والتشريد؟ لكن في الوقت نفسه كيف أستغل هذا الحدث وذاك في نصّي الشعري؟ يجب ألا يكون النصّ "ردّ فعلٍ" على حدث ما، ففي هذه الحالة لن يتخلى عن تقليديّته ومباشرته، ولن يخرج عن عباءة العادي والمكرر الذي ينتهي بعد قراءته مباشرة. النصّ الحقيقي والمختلف "فعل" ينتج عن استلهام حالة أو حدث ما، يمتزج بكيمياء الذات، فيأخذ صبغتها، وروحها، ورؤيتها للأمور، وخصوصيتها. فالكتابة عن "الحدث" بوصفه حدثًا عامًّا يتعلق بالتأريخ له، أو تمجيده، وهذا يمكن أن يتمّ بكتابة مقال، تنتهي أهمّيّته بعد قراءته مباشرة، وليس نصًّا عابرًا للزمان والمكان كحالة إبداعية.

دخيل الخليفة

هل ثمة "وصفة سّحريّة" ليستطيع شاعرٌ ما كتابة قصيدة عابرة للزّمان والمكان؟

ـ بالنسبة لي الشعر وهمٌ لغويّ يمارس الشاعر فيه صعلكته، وهو القدرة على نسج بلاغة مغايرة تمكّننا من إعادة بثّ حياة مختلفة في اللغة، أن نعيد تسمية الأشياء، ونرسم عوالم ميتافيزيقيّة جديدة تعطي أبعادًا متعدّدة.

الشعر هدم وبناء في المتخيّل، رؤية ورؤيا.. هو الأنا والآخر، والتحام عوالم الخارج في كيمياء الذات، وهو الحلم الذي نعبر به الحدود نحو حياة أكثر رحابة وجمالًا.

إلى أيٍ مدى تؤمن بكونيّة القصيدة بعيداً عن نوعها؟

ـ الشاعر من رسل الإنسانيّة، يتألّم لأيّ حدث يمسّ الإنسان أينما كان، ويطمح لعالم مثاليّ، ولولا ذلك لما وجدت "الترجمة" ونحن الآن على خطّ تماس واحد مع العالم، أو لنقل في دائرة واحدة، أخذنا منهم "قصيدة النثر" وتأثرت "السوناتات" وشعرهم الحرّ بنظام التفعيلة عندنا، فظهرت عندهم بحور "الدوبيت" و"السكندري" و"الأيامبي" وغيرها..

كتبتُ بكلّ الأشكال، وقلت مرارًا إنّني أكتب "الشعر" أولًا بعيدًا عن مفهوم "الشكل"؛ لإيماني أن الشكل يأتي لاحقًا للكتابة. حتى لو ظهر شكل جديد سأمارسه. تركت الشكل العمودي منذ العام 1993 ليقيني أنّه استنفد طاقته الإبداعيّة؛ وحملت مجموعتي الأولى "عيون على بوابة المنفى" قرابة 15 قصيدة عموديّة، وبدأت بتجربة قصيدة النثر بقاموس خاص حمل طابع البداوة، منذ المجموعة الثالثة "صحراء تخرج من فضاء القميص" وبعدها كانت نصوصي تتراوح بين التفعيلة والنثر. تجاوزت مبكرًا سلطة "المتلقي" ووهمه الأزليّ بقضيّة الشكل، أفترض أنّني أكتب لقارئ كوني، ولنقل أيضًا إنّه "قارئ مُتخيّل".. يقرأ ما وراء السطور دون النظر لشكل النص، وبكل الأحوال ـ سواء وُجد هذا القارئ أم لا ـ فإنّني أكتب نصّي دون رقيب في عقلي يملي عليّ شكلًا أو نوعًا ما؛ لأن هذا مضاد للإبداع.

إذا كنت مع مختلف أشكال القصيدة طالما توافرت لها الشّعريّة.. فهل ثمة مقاييس محدّدة لمفهوم الشّعريّة؟

ـ على كلّ شاعر أن يفهم "ماهيّة النص"، أساليب كتابته، وأن يُفرّق بين الشعر وما سواه، ليس كلّ شكل ينتج شعرًا، بينما كلّ شعر ينتج شكلًا بالضرورة. والفارق هنا هو رؤيتنا لتحديد الشعر، ومفهومنا لمعنى "الإضافة" في النص، متى ما كانت هذه الإضافة تشكّل بصمة خاصّة، وحالة إبداعيّة تنطلق من الذات إلى الخارج، ومن الخاص إلى العام، وبعيدًا عن "الحدث" و"المباشرة" "واللغة المبتذلة" سيتوفر الشعر.

المشكلة تكمن في تركيز البعض على "الشكل" وكأنّه مصنع للشعر، هذا خطأ؛ لأنّ الشكل مجرد "زي" أو "إطار خارجي" قد يتضمن كلامًا عادياً خالياً من أي بلاغة، ومناقضًا تمامًا للشعر. بيد أنّ التوضيح هنا واجب في أن تخلّف مناهجنا المدرسيّة، ووقوفها ضدّ الشعرية الجديدة، وضد الحداثة، وضد حساسيّة اللغة؛ أسهم في تلك النظرة، التي جعلت الشكل سابقًا للشعر بمفهوم البعض، مؤسف أن مناهجنا التعليميّة تعاملت مع الشعر كموروث ثابت!


دخيل الخليفة

خلطة سرية

إصرارك على تقديم نصّ مختلف ألا يجعلك أقرب إلى النّخبويّة، أبعد عن جمهور الشّعر العريض؟

ـ الشعر فنّ نخبويّ منذ ظهوره، ولولا ذلك لأصبح كلّ العرب شعراء حين كانت الفصحى لغة الجميع قولًا وتفكيرًا. ثم مَن قال إنّني حين أكتب أفكر بجمهور عريض؟ حين تتسلل فكرة "الجماهيريّة" إلى ذهني سأتنازل عن الفنّ والخصوصيّة في قصيدتي، وهذا يعني قتلًا للحالة الإبداعيّة واستسلامًا للمتلقي، ولا يتفق الجمهور عامة إلا على النص السيئ؛ لأنّ النص المغاير سيكون مثارًا لاختلاف قرّائه، بين مؤيد ومعارض، هناك من يستوعب أسئلته، وهناك من يراه تجديفًا في الهواء. الاستسلام لرغبة الجمهور يعني سقوطًا على الرأس، يعني إبحارًا في التقليديّة والمباشرة والسوقيّة، وأنّك تسير بخطّ مستقيم أو تنازليّ، ولن تكتب بخط تصاعديّ يمثّل وعيك وإدراكك لحداثة الشعر أبدًا. إنّ المبدع يخلق جمهوره فردًا فردًا.

ثمّة انسيابيّة عالية في شعرك وكأنّ الماء يسري بين حروفك المتمرّدة فيبذر عذوبته وقوّته وعناده، هل يعود ذلك إلى التّناغم المتعمّد منك بين شكل القصيدة ومضمونها؟

ـ على الشاعر أن يفهم كينونة النص، طرق كتابته، وألا يقع ضحية لأساليب من سبقوه، قد يتأثر لفترة من الزمن، لكن عليه الخروج من الشرنقة، الانفلات لعوالم أسمى وأوسع وأكثر تحرّرًا.. أن يكون مرنًا وشجاعًا جدًّا في المحو، وإعادة الكتابة، وأن يتمرّس على "مكيجة" النص، أن يصطاد صورًا ومعاني مختلفة، من أعماق الذات، أن يتعلم خلق صور حسيّة، ويطوّر قاموسه باستمرار، ويهضم تجارب الآخرين بتفكيك أساليبهم، ومعرفة أسرارها. الشّعر تجربة متصاعدة، ومع تراكمها سيكون لك لغتك وأسلوبك الخاص. حين أكتب أسعى أوّلًا إلى الاختلاف، والمغايرة، قد أنجح، وربما أفشل، وأحيانًا حين أعود لنص في مجموعة قديمة أردد في نفسي" ليتني غيّرت هذا السطر أو تلك المفردة" وهذا دلالة على أنّ تجربتي تتطور. وبكلّ تأكيد اعتدت على التناغم بين الشكل والمضمون مبكرًا، وكنت شجاعًا في شطب ما لا يعجبني في نصي، وربما شطبه بالكامل، فحين لا يرضيني لن يخلق معجزة في إرضاء المتلقي الباحث عن الجديد. حين تكون في خارطة تضمّ أكثر من مليون شاعر، عليك أن تصنع خلطتك السِّرّيّة التي تمنحك التميّز.

تعتمد كثيرًا مفردات: البحر، الغيم، الماء، وهي مفردات ناعمة وعذبة، ولكنّك تُلبسها ثوب القوّة والجرأة فتحيد بها عن وظيفتها المعتادة. إلى أيّ مدى يطوع الشّاعر اللغة على مقاس أفكاره وأخيلته؟

ـ الشعر هو ما أعطى لغتنا العربيّة حيويتها وتجددها المستمر، وروحها المختلفة. من المهمّ أن نغيّر العلاقة بين اللغة والأشياء، لخلق معانٍ جديدة، أن نبتكر لغتنا الخاصة، أن نتمرد على المألوف ونهمل المبتذل. لا أؤمن بوجود ضوابط ثابتة في الشعر؛ لأن الإبداع ضد القيود.

على فكرة، أنا لست ممن يكتبون نصًّا كلّ يوم، هناك نصّ تستمر كتابته شهرين أو ثلاثة، وهناك نصّ أعود لتكملته بعد توقف عام كامل! لذا استمرت كتابة ديواني الأخير "ورد أسمر يملأ رئتي" خمسة أعوام رغم أنّه يتضمن 23 نصًّا فقط، بدأت بكتابته في أبريل 2018 وأنهيته في يوليو 2023.


تجارب كويتية

برزت في السّنوات الأخيرة تجارب شعريّة كويتيّة مهمة، فكيف ترى القصيدة الكويتيّة اليوم؟

ـ القصيدة في الكويت مارست حداثتها وقدمت جيلها الأقوى بعد صدمة 1990، فالجيل التسعيني خلق تجربته الخاصة، منطلقًا من رؤيته المغايرة للشعر والواقع والمستقبل، تخلى عن القصيدة العموديّة، كتب التفعيلة والنثر، ولم يلتفت لصراخ المتلقي العادي الذي لا يريد أن يطوّر أسلوب تلقيه، وبقي جامدًا لا يتقن سوى التصفيق للنصّ المباشر. انطلق جيلنا التسعيني إلى آفاق عربيّة وعالميّة أرحب، ولم يتكئ على تجارب محليّة بائسة تدور حول نفسها. ومن الأجيال التالية برز: محمد المغربي، وعنود الروضان، وسامي القريني، ومنى كريم، وشهد الفضلي، وعائشة العبدالله، وأمل العايذي، وجابر النعمة، ومريم العبدلي، وهدى أشكناني، وهناك تجارب جديدة تتخلَّق وتُطور أسلوبها شيئًا فشيئًا، ومنها: سعد الأحمد، ونواف الربيّع، وفاطمة عبدالسلام، ومناير الكندري، ورهف الحربش، وفاطمة القلاف، وحسين إبراهيم.

وبشكل عام أرى أنّ التجربة الشعريّة في الكويت بخير، لكن على الأجيال الجديدة أن تتمرد أكثر على اللغة، وتتسلح بالفكر من أجل رؤية أعمق، وتشتبك بالتجارب العربيّة المهمة.

عن القصيدة العموديّة تقول إنّها لا تصلح للشّاعرات، ألا ترى أنّ رأيك هذا بعيد الموضوعيّة.. خصوصًا أن السّاحة العربيّة تزخر بتجارب نسائيّة أثبتت قدرتها على كتابتها؟

ـ لم أقل: "إنّهن غير قادرات على كتابتها!".. قلت إنّ "خشونة القصيدة العموديّة لا تناسب المرأة الشاعرة، وإن أجادت بها. قصيدتا النثر والتفعيلة هما الأقرب لرقتها والتعبير عن مشاعرها. الشكل العموديّ رجاليّ بامتياز". ما كنت أعنيه أنّ هذا النص شكلًا وإلقاءً هو شكل خشن، وكثيرات حين يرتقين المنبر يصرخن كما الرجال، فيفتقدن أنوثتهنّ، كما أنّ هذا الشكل يحتاج "فنّ الإضافة" أو ما نسميه " البصمة الخاصّة"، وعلى العكس من ذلك فإن "التفعيلة والنثر" شكلان جميلان يناسبان أنوثة المرأة ورقتها، ولا يحتاجان صراخًا وحركة جسد وإيماءات برفع اليدين إلى أعلى! وهما شكلان تميزت فيهما المرأة كما الرجل، في وقت شهد ركودًا للشعر العموديّ ولم يتميز به ـ كنصّ منبري ـ سوى قلة من الرجال لم يتجاوزوا عدد أصابع اليد الواحدة! وكلّ ما ذكرته ليس طعنًا بشعريّة وإمكانيات المرأة أبدًا، وكثيرًا ما صفّقتُ لنصوص إبداعيّة لشاعرات، لكنّها ليست نصوصًا عموديّة بالطبع!

ما يزال النّقد يكرّس أسماء مستهلكة بعيدًا عن رؤية نقديّة شاملة لأهمّ التّجارب الشّعريّة في عالمنا العربيّ اليوم. تتفق أم تختلف؟

ـ النقد يعيش خارج الواقع، أغلب نقادنا لا يتابعون، أو أنّهم متعالون.. قلة مَن يتابعون التجارب الجديدة ويكتبون عنها، والنقد في الكويت غائب تماماً عن المشهد، ونفتقد للناقد المتمرس.. أما خليجيًّا فالنقاد السعوديّون متمكنون، وبعضهم يساند التجارب الجديدة بقراءات مهمّة. وأشير هنا إلى القراءة العميقة والطويلة التي قدمها الناقد والشاعر د.أحمد الهلالي عن تجربتي الشعريّة، وهي أول قراءة تتناول أعمالي كلها، منطلقًا من ثيمة "تشظي الجسد"..

أخيرًا، قلت مرّة في حوار لك "ليس مُهمّا بالنّسبة لي سوى أوطان جميلة هي قلوب أصدقائي" هل تنجح القصيدة في تخفيف غربة الشّاعر؟

ـ لو لم تنجح في ذلك لما كتبنا، القصيدة علاج لكلّ الآلام، وهي تبدأ علاجًا للشاعر ذاته، قبل أن تتحول إلى ضماد لجراح الآخرين. نحن نمتلك لغة عظيمة متجددة، حتى أنّك تخالها كائنًا حيًّا يشاركك الحياة بتحولاتها. وحين يكتب الشاعر يريد أن يساوي بين عوالمه، لئلا يشعر بخلل نتيجة ارتطامه بواقع مرير خلقته سياسات متخلفة جعلتنا أمواتًا يمشون فوق مقابر، ويجلسون مهمومين في المقاهي، يعتقدون أنّ جراحهم يمحوها فنجان قهوة! نحن مغتربون في بلداننا، قبل أن تحتضن آلام بعضنا المنافي الباردة.. ولا قدرة لنا على العلاج إلا بالشعر.

bottom of page