top of page

روضة الحاج:كان لوالدي أثر كبير في تعلّقي بالإيقاع الشعريّ ثم الكلمة...

تاريخ التحديث: ١ نوفمبر ٢٠٢٣


روضة الحاج
روضة الحاج

هندة محمد
هندة محمد

حوار مع الشاعرة السودانية روضة الحاج

حاورتها: هندة محمد


أستمتعُ جدًّا وأنا أقرأ حروفها.. ذلك المزيج السّاحر من البساطة والعمق والإبداع.. هو الذّكاء الشّعريّ الذي يجعل الكلمة تعرف هدفها جيّدًا فترسم لها مكانًا محدّدًا في قلب المتلقّي وروحه..

هي علامة فارقة جدًّا في الشّعر العربيّ ولن أقول الشّعر النّسائيّ؛ لأنّ الإبداع لا جنس له

ولدت سمراء القصيدة الشّامخة في أرضٍ كلُّ ما فيها يقطر عزّةً وطِيبةً وشعرًا رغمًا عن كلّ الجراحات والنّكبات، في مدينة " كسلا" بشرق السّودان، ودرست بها جميع مراحلها الدّراسيّة.. حازت على العديد من الألقاب الشّعريّة إضافة إلى عملها إعلاميّةً إذاعيّةً وتلفزيونيّة..

مثّلت بلدها كأجمل ما يكون في كلّ المحافل الوطنيّة والدّوليّة التي شاركت فيها وحازت خلالها على كثير من الدّروع والأوسمة والشّهادات التّقديريّة..

ابنة السّودان العزيزة الشّاعرة "روضة الحاج"، مرحبًا بك على صفحات مجلّة "سيغل بوست"

لنسافر معًا في عوالم شخصيّة متفرّدة بإبداعها وفكرها وإنسانيّتها العالية..


1- من أين بدأت الشّاعرة روضة الحاج رحلتها الإبداعيّة؟

وهل كان الطّريق معبّدا أم محفوفًا بالعثرات؟

من المهد ربّما.. فقد كان لوالدي أثر كبير في تعلّقي بالإيقاع الشعريّ ثم الكلمة فهو تقريباً لم يكن يكفّ عن التّرنّم بالشّعر والذي هو وسيلته الوحيدة تقريباً للتّرويح عن نفسه، فضلاً عن ذاكرة متوقّدةِ مليئةِ بالقصائد والحكايات الشعبيّة والأمثال والحِكم.. أعتقد أن البداية كانت من هنا.

أمّا عن الرّحلة فلن أستطيع القول إنها كانت وعرة ولن أدّعي سهولتها أيضًا..

فالواقع أنني قوبلت بحفاوة كبيرة من المتلقّي السّودانيّ، وقد سبقتني أصوات شعرية عديدة،

وأعتقد أنّ المجتمع السّودانيّ بطبيعتهِ مهيّأ بطريقة ما أكثر من غيره من المجتمعات المحافظة للتّعاطي مع إبداع المرأة بتقدير؛ فالمرأة حاضرة في ليالي الأعراس والحنّاء بـ (البنينة) وهي أغاني تنشئها الجدّة أو العمّة أو الخالة وتنشدها في ليلة العرس، والمرأة حاضرة في الفقد عبر (المناحة) وهي رثائيّات مؤثّرة تنشدها النّساء، والمرأة حاضرة في كل أمسيات البيوت تقريباً فهي تقوم مقام الحكواتِي في البلاد العربية، تروي الحكايات ويتحلّق الصغار حولها يستمعون لحكاياتها؛ ولذا أراني أزعم أن الخيال الإبداعيّ لكلّ المبدعين في السّودان خيال أنثويّ .


2- المرأة الشّاعرة.. هي محاربة جريئة وشرسة في مجتمعاتنا الذّكوريّة بالأساس..

برأيك هل يقبل الشّعر مصطلح "قصيدة نسائيّة" بما فيها من فخّ السّقوط في النظرة الدّونيّة لما تكتبه الأنثى؟

بل أعتقد أن عليها التّمسّك بتأنيث نصّها والزهو بذلك، فالرؤيا النّسائيّة الكونيّة والإبداعيّة والجماليّة مختلفة؛ ولذلك ستنتج دائماً نصّاً مختلفاً!

وفي ظنّي أن هذا الاختلاف هو (علامة جودة) للنصّ النسائي، ودليل فرادة وتأكيد على عدم الوقوع في فخاخ التّقليد أو التأثّر الذي يلغي الذاتي في التجربة..

عن نفسي أنا متصالحة إلى أبعد مدى مع مصطلح القصيدة النّسائية، وأعتقد أنه وسام تميّز وبصمة تفرّد تُجمّل كل تجربة نسائيّة حقيقيّة.




روضة الحاج

3- يزخر السّودان اليوم بتجارب شعريّة جميلة جدًّا والشّعر السّودانيّ هويّة متفرّدة وملامح لا شبيه لها.. كيف تقرأ الشّاعرة روضة الحاج اليوم المشهد الشّعريّ في السّودان؟

لقد ظلّ الشعر والأدب بشكل عام خبز السّودانيّين اليوميّ، وسميرَ لياليهم وأنيسَ وحشاتهم، وكنت وما زلت أرى أنهم سيكونون بخير طالما ظلّ الشعر كذلك في حياتهم.

هل تغيّروا؟ هل تغير الشعر في قائمة أولوياتهم الوجدانية؟

نعم. جرت مياه كثيرة تحت جسر التحوّلات الكبرى في العالم وفي حياة السودانيّين بوجه خاصّ، لكنّني على يقينٍ أنّ التّربة التّي تعوّدت أن تزهر بالشّعر لا تحتاج لأكثر من سحابةٍ عابرة لتربو وتزهو وتخضرّ من جديد فكلّ الجمال كامنٌ في دواخلها وكلّ بذورِ الدّهشة تنتظر بكامل نقائها الذي لم تعبث به أيّة هندسات وراثيّة!

هذا عن التلقّي والذي أوليه أهمية كبرى أما عن النّتاجات الإبداعيّة فهي متجددة وجريئة ومختلفة وما زال السّودان يدهشنا كل حينِ بأصوات مميّزةٍ وقويةٍ من الشعراء والشاعرات


4_ كيف رسمت الشّاعرة روضة الحاج أرض السّودان الجميلة المتفرّدة في قصائدها؟

بدمي قبل حبري!

قليلة حروفي أمام كثرته، وقصيرة كلماتي أمام قامته الفارهة الباهرة.

حاولت وما زلت أحاول أن أكتب قصيدته التي يستحقّ لكنّني أبداً لم أحسن ذلك..

ظلّت كل الكلمات دونه.


5- أقول دائمًا: إنّ قصائدك لسان حال كلّ النّساء في هذا العالم بخيباتهنّ وانتصاراتهنّ..

كيف استطعت الولوج إلى عمق قضايانا وتفاصيلنا بهذا الكمّ من العذوبة الجارحة؟

أشكرك شاعرتنا الجميلة..

لطالما اعتقدت أن المرأة هي أفضل من يكتب المرأة..

ثمة تفاصيل صغيرة لن يراها إلا قلم أنثويّ، وثمة مشاعر دقيقة لن يحسن الاستماع إليها إلا قلم أنثويّ، وثمّة مواجع ذات بُعد رابع لن يرصدها إلا قلم أنثوي..

لذلك ربما ولقربي من محيط تجمّله الصّديقات والمعارف وزميلات العمل والمتابعات على مواقع التواصل ألتقط المعاني والإشارات والتفاصيل منهن. إنهنّ يملين عليّ.. أنا فقط أعيد صياغة المعاني.


6 - في كلّ العصور التي مرّت بنا.. كان للظّروف التي تعيشها الأوطان من تقلّبات وتغيّرات أثرها العميق في الأدب،حتّى أنّها صنعت توجّهات ومدارس شعريّة مختلفة..

هل نحن الآن أمام عمليّة مخاض قد تفضي إلى ولادة مشهد أدبيّ مختلف في السّودان؟


كان ذلك يحدث عندما كانت الثّقافة تقود السياسة، كان هذا يحدث عندما كان المفكّرون والمثقّفون والمبدعون هم قادة التّغيير والمؤثّرين الحقيقيّين الذين يرسُمون المستقبل برؤى لا مكان فيها للخيانة ولا للعمالة ولا للارتهان..

لكن كل هذا تغيّر الآن..

تمّ إيهام المثقّفين والمفكّرين بأن مكانهم قاعات الجامعات وخشبات المسارح، وتمّ حصر دورهم في زوايا ضيّقة،وانفرد سماسرة السّياسة بعقد صفقات البيع والشّراء فصار حالنا كما ترين!

لذلك لا أتوقّع أن يتغيّر المشهد الأدبيّ تغيّراً حقيقياً.. قد تحدث عمليّة (تبديل مواقع) لكن قطعاً ليس ميلاد مدارس أو تيّاراتٍ أدبيّةٍ جديدة.


7- البادية السّودانيّة ثريّة جدًّا بتراثِها وعاداتِها وحكاياتها.. هل استطاع الأدب السّودانيّ تسليط الضّوء عليها بما يكفي؟ وهل نجح الشّعر برأيك في إخراج كنوزها إلى العالم؟

مفتونة أنا بإبداعات البادية السّودانيّة بشعرها وغنائها وموسيقاها ورقصاتها الشّعبية وحكاياتها وأمثالها، مفتونة بتنوّعها المدهش وثرائها ورغم أنّني لم أعش فيها لكنّ والدي ـ رحمه الله ـ قد نقل لي منها الكثير، وأعتقد أنّها تحوي كنوزاً لم تفتح بعد وأخشى أن تزحف إليها (رمال التّمدّن) قبل أن تُوثّق وتُحفظ؛ لأنّ معظم ما بها من الموروث ظلّ شفاهياً لم يُدوّن منه إلاّ القليل، ورحل كثير من الرُّواة وفي صدورهم تلك الذّخائر.



8- في المشهد الشّعريّ العربيّ قضايا شائكة منها الهوّة بين النّقّد والقصيدة وصولًا إلى مسألة الوساطة والمحاباة التي حرمت الكثيرين والكثيرات من البروز..

ما الذي تقوله شاعرتنا في ذلك؟

لا أستطيع أن أُحمّل النقد -على أهميته- مسؤولية (بروز) بعض الأصوات وخفوت بعضها

فثمّة أسباب كثيرة بعضها غير منطقيّ تتحكّم بمسألة الذّيوع والشّيوع هذه، ومع وجود وسائل التواصل الاجتماعي التيمثلت منصة دائمة للمبدعين جميعاً انتفت كثير من إشكالات المنابرِ والحجب، لكنّني أتفق معك على وجود واستمرار ظواهر (الشّلليّة)، والصداقات والمحاباة ربّما تؤثر.


9 - الأكيد أنّ العمل في مجال الإعلام والتّلفزيون له سحره الخاصّ.. حدّثينا عن هذه التّجربة كيف تطوّرت وكيف أثْرَت عالم روضة الحاج المبدعة والإنسانة؟

قدري كان أن أمتهن الإعلام، وأن أقع في غرام العمل الإذاعيّ منذ تقديمي لطابور الصّباح وأنا دون السادسة من العمر، ثم كانت دراساتي العليا في مجال الإعلام لاحقاً وقد عملت بالإذاعة والتّلفزيون لسنواتٍ، ثم أسّست وترأّست تحرير مجلّة السّمراء لسنوات أيضاً،

ومن مفاخري في مجال الإعلام حصولي على جائزة أفضل محاور من مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون قبل سنواتٍ، وإهدائي الإذاعة السودانية أول ميدالية ذهبيّة.



10- الحبّ في حياة الشّاعر حافز مهمّ لكتابة قصيدة بديعة ومتجدّدة..

إذا لم يكن هذا الحافز حاضرًا كيف تستطيع الرّوح الشّاعرة التّغلّب على روتين الحياة والانطلاق والطّلوع نحو أفق أرحب؟

أجمل ما في الرّوح المبدعة بشكل عام هو قدرتها على خلق عالم موازٍ أو افتراضي..

هذه القدرة تمثّل عزاءً عظيماً للمبدع، فهو قادر دائماً على التّحليق بأجنحته الورقية، قادر على الحبّ بالمتخيّل من الشّخوص.. قادر على السّفر وهو في غرفته وقد يكون ما يصنعه أكثر جمالاً من الحقيقة!



روضة الحاج

11- تسافرين كثيرًا... والسّفر حياة وسط الحياة بما تحمله الأماكن من شغف وسحر وأشياء أخرى يراها الشّاعر دائمًا بتلك العين المختلفة للمبدع..

ما الذي يتركه السّفر في روح شاعرتنا المبدعة وفي نصّها؟

أحبّ السفر والحقائب والمطارات رغم أنّ التّرحال ليس أمراً سهلاً، فلدي مسؤوليّات وأنا بطبعي كثيرة القلق، لكنّني مع ذلك مدينة للرّحيل والتنقل بالكثير من العطاءات والآفاق التي يفتحها أمامي، والناس الذين ألتقيهم، والمدن التي أحاورها، والأمكنة التي تزعم أنني كنت هنا قبل مائة عام، السّفر حياة أخرى جميلة.


12 - بعد الصّحافة والإذاعة والتّلفزيون... هل تفكّر شاعرتنا في خوض تجربة جديدة؟

الآن أخوض تجربة جديدة، فقد عدت مؤخراً للحوار التّلفزيوني عبر شاشة الشارقة الفضائية ببرنامج ينحاز للإبداع النسائي، ويوثّق للتجارب المائزة ويحتفي بها وهو برنامج (سفيرات المعاني)، من إعدادي وتقديمي.


Comments


bottom of page