حوار مع حسن شهاب الدين
إعداد روعة سنبل
من مصرَ..
لي نسبٌ ببعضِ الأنجمِ
صوتي بحجم الأرضِ
أكبرُ من فمي
بهذه الكلمات في مطلع إحدى قصائده يعرّفنا بنفسه الشاعر المولود في القاهرة عام 1972م، حسن شهاب الدين، صاحب الصوت الشعري المميّز، الذي رُسمت ملامحه بعناية، عبر منجَزٍ شعريّ ثري، وحضورٍ واثقٍ فذ، فهو صاحب الدواوين العديدة التي صدرت تباعاً خلال الأعوام الخمسة والعشرين الماضية وحازت اهتمام الجمهور والنقاد على حد سواء، وهي: "شـُرفة للغيم المُتعَب"، "مـُتوَّجٌ باسْمي"، "أعلى بناية الخليل بن أحمد"، "خيمة لمجنون الصحراء"، "جغرافيا الكلام"، " واحدٌ بأسْرِه"، "طفل يركض في الأساطير"، "مُتَّهَمٌ بخداعِ العالم"، "كأوَّلِ شاعرٍ في الأرض"، " مجاز مختلف"، "بخفة قط في القصيدة". كما صدر له ديوانان من مختاراته الشعرية هما: "أثري في المرآة"، و"أشجار هاربة من الغرفة"، أما في مجال شعر الأطفال فقد صدر له ديوان واحد هو "الجنة الصغيرة".
وحسن شهاب الدين، إلى جانب شعره، باحث له دراسات أدبية كثيرة، نذكر منها: رثاء الأم في الشعر العربي، ذاكرة صقلية الشعرية، لوحة الذئب في الشعر العربي، الحنين إلى دمشق (قراءة في شعر ابن عنين الدمشقي) وغيرها الكثير، وله تحت الطبع كتاب بعنوان: "كيف تقرأ قصيدة جاهلية"؟.
وبالإضافة إلى حضوره الراسخ في العديد من المؤتمرات والمهرجانات الشعرية في مصر والعالم العربي، فقد حاز شاعرنا العديد من الجوائز وشهادات التقدير نذكر منها: جائزة أثير العُمانية، وجائزة مجمع اللغة العربية، وجائزة مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، وجائزة فدوى طوقان للشعر، ودرع لجنة التحكيم في مهرجان أمير الشعراء، والجائزة الأولى لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، وغيرها..
المبدع حسن شهاب الدين أهلاً وسهلاً بك على صفحات (سيقلس بوست)، لنحاول من خلال هذا الحوار الاقتراب قليلاً من عالمك المبدع وتجربتك الثريّة.
-من يتابع إصداراتك الشّعرية يجد أنّ دواوينك صدرت في أمكنة مختلفة، انطلاقاً من سوريا في "شرفة للغيم المتعب" وانتهاء بإسطنبول في "أشجار هاربة من الغرفة" الذي صدر العام الماضي، مروراً بمحطّات أخرى مثل: السّعودية، والإمارات، ولبنان، ومصر بالطبع. فهل هذا التنوع كان مقصوداً؟ أم أنه جاء مصادفة؟ وكيف انعكس على تجربتك وجماهيريّتك؟
لم يكن هذا التنوع الجغرافي الذي صاحب إصداراتي أمراً مقصوداً، ولا كان مصادفة، وأيضاً لم يكن أمراً فرضته رحلة الشعر معي، وإنما كان كلّ ذلك. فتارة يصل صديق من سوريا إلى مصر ويطلب ديواني الأول الذي كان صادراً حديثاً في طبعته الأولى في القاهرة ليصدر منه نسخة في دمشق، وتارة أخرى صديق من السعودية مع ديوان آخر، وثالث من لبنان يطلب نشر مختارات من شعري، ثم يأتي دوري فأحب أن أنشر مثلاً في جهة معينة أو بلد معين ليصل صوتي إلى محبي شعري هناك، ومرات أكون في زيارات لهذه الدولة أو غيرها فيطلب مني الأصدقاء شيئاً من شعري للنشر، وهكذا.. وهذا التنوع الجغرافي الشاسع الذي حظيتْ به أعمالي أفادني ولا شك العديد من القرَّاء الرائعين، وساهم في أن يصافح صوتي أصدقاء كثيرين لا أعرفهم، ويدخل بيوت محبّي الشعر التي لم أزرها، ويقاسمهم فنجان القهوة، والاستماع إلى الموسيقى، بل ويسافر معهم إلى أماكن لم أتعرف عليها قط لولا هذا الكائن الجميل الذي اسمه الشعر، ولكنه أيضاً كان كمن يخص هذا المكان بهذا الديوان ويحرم منه الآخرين، وهنا يأتي دور معارض الكتب التي تسهم في سدِّ هذه الثغرات، ولكن ربما كان إصدار الأعمال الشعرية أمراً مهما في هذه الفترة بإذن الله تعالى، ليجد القارئ العربي الكريم ما يحتاجه من أعمالي مجموعة في إصدار واحد.
-كان لك حضور ملفت في برنامج أمير الشعراء عام 2009، وكان البرنامج حينها في مواسمه الأولى، ما الذي قدمه لك هذا الحضور؟ وهل تعتقد أن البرنامج ما يزال مهماً خاصة بعد موسمه الأخير الذي أثار جدلاً واسعاً في الوسط الثقافي وكذلك في وسائل التواصل؟
تجربة أمير الشعراء كانت شديدة الثراء، وقلتُ في حوارات سابقة: إنها حملت صوتي بجناحين إلى محبي الشعر في أنحاء الأمة العربية، بل ولكل الناطقين بالعربية حيثما كانوا، ومنحتْ صوتي وهجاً لا أظنه يخبو.
وأعتقد جاداً أنّ البرنامج في غاية الأهمية مهما قيل فيه، ومهما أثار من جدل، فلا شك أن كل محاولة لنشر الشعر الجاد بين القراء والمثقفين هي محاولة تستحق الاحتفاء والإشادة، وهذا ما يقوم به هذا البرنامج العريق.
-صدرت لك أبحاث عديدة في الشعر العربي القديم، ومن المعروف عنك أنّك مخلص في أغلب الأحيان للقصيدة بشكلها العمودي، لكنّك في نفس الوقت تُعدّ برأي كثير من النقاد من الأصوات المجدّدة للشعر، على ضوء تجربتك إلى أي مدى يمكن برأيك للقصيدة العمودية أن تستوعب ملامح الحداثة؟
لنتفق أولاً على معنى الحداثة، ثم ننظر هل تستطيع القصيدة العمودية أن تستوعبها أم لا؟ فمن وجهة نظري أنّ تنظيرات النقاد الحداثيين لا علاقة لها بواقع الشعر، وأنّ بعضهم يحاول فرض نمط شعري أوروبي أو أمريكي على شعرنا العربي، وهذا خطأ كبير، لأنه لا بدّ أن يكون لكل أمة مذاق خاص في قصصها الشعبية وأغانيها وشعرها، ولكن أن يصبح الجميع يتغنى بنفس اللحن فهذا أمر غير حقيقي وغير واقعي، وإذا نظرنا إلى تراث كبار شعراء العالم قدماء ومحدثين سنجد أنه شديد التميز والفرادة، فشعر (لوركا) غير شعر (بول إلوار)، و(ماياكوفسكي) لا يشبه (نيرودا)، وحتى في البلد الواحد والعصر الواحد لن نجد (بوكوفسكي) يشبه آلان جنسبرج)، مما يجعل نقّاد الحداثة في واد والشعر في واد بعيد.)
وبالنسبة لي فإنّ المواءمة بين الشكل التراثي والمضمون المعاصر كان رهاني منذ قصيدتي الأولى، وهذه هي الحداثة من وجهة نظري، أن أقرأ عصري وأصهره في قصيدتي، أن تكون تلك القصيدة التي أخطها مرآة لزمني، يطالع فيها القارئ المعاصر، وحتى القارئ الذي لم يولد بعد، أحلام إنسانه وآلامه وتطلعاته، ولكن شرط أن أكون شاعراً لا مؤرخ يوميات.
-يقال الكثير عن قصور النقد عربياً في مواكبة الحركة الشعرية، لكنّ تجربتك الشعرية حظيت، وما تزال، بمتابعات نقدية مهمة، ليست مقالات أو قراءات فقط، بل أيضاً دراسات وأطروحات، أذكر منها مثلاً دراسة للكبير فاروق شوشة رحمه الله، ما الأسباب التي أدّت برأيك إلى هذا الاهتمام النقدي بتجربتك؟ وماذا قدم هذا النقد لك أولاً ولشعرك ثانياً؟
أشكر الله تعالى على أنّني، ومنذ كتاباتي الأولى، قد حظيت باهتمام نقدي واسع، سواء على مستوى الدارسين، أو على مستوى كبار النقّاد والشعراء، الذين رأوا في نصي ما يستحق الدراسة والقراءة النقدية، وهذا بالطبع يضيف الكثير إلى تجربتي، ويمنحها مصداقية لدى القارئ، وأمّا الأسباب التي أدت إلى هذا الاهتمام النقدي بشعري، فأنا أخجل أن أزكِّي نصي، ولكن لا بدّ أنّ النقاد لديهم أسبابهم لذلك الاحتفاء، وهو ما دفعهم للكتابة عنه بهذا الشكل الرائع، ولدى الدارسين وأطروحاتهم حول تجربتي الشعرية، وهذه الأسباب بلا شك يجدها القارئ في مضمون هذه الدراسات والقراءات النقدية، ولكن بالطبع هذا الالتفات النقدي لما أقدمه دليل، أو على الأقل إشارة، إلى أنّ نصّي يجد صدى جيداً عند المهتمين بالعملية الإبداعية، وهذا الصدى النقدي يأتي تابعاً لصدًى جماهيري استطاع النص بفضل الله تعالى أن يشكّله وهذا يسعدني تماماً.
-لك وجودٌ عربي ملفت في المحافل والمهرجانات على امتداد الوطن العربي، وزيّنَ حضورُك منصّاتٍ ومنابر كثيرة، فهل تعتقد أنّ شعرك قد أنصِف جماهيرياً؟ وهل حدث أن ارتجف قلب شعرك رهبة، أو فرحاً، قبل صعودك للمنصّة أمام جمهور ما؟
التواجد في المهرجانات والمحافل الشعرية الكبرى كان فرصة ثمينة لأصافح بأبجديتي الصغيرة جمهور الشعر المحب على امتداد وطننا العربي، من المحيط إلى الخليج، وقد نال شعري من تكريم القراء ما يسعدني، وأنصفني كثيراً من جهة النشر والقراءة والنقد، ولكنّ طموح الشاعر لا يقف عند حد، بل يريد دائماً المزيد حتى يتمنى أن يحيط خارطة العالم بجناحيه.
وأما عن لحظة صعود المنصة أمام جمهور شعري، فهي مزيج من الفرحة والرهبة والقلق والثقة ومشاعر أخرى كثيرة مضطربة، وكل مرة تتكرر نفس المشاعر مهماً كان الشاعر شهيراً أو كبيراً، وهناك للمهرجانات جوانب أخرى غير إلقاء الشعر، ففيها لقاء الأصدقاء وتبادل الأعمال والمناقشات الفكرية، وهي أمور هامة تكتمل بها هذه المحافل.
-يطمح مبدعون كثيرون لخلق سمةٍ أو بصمةٍ تميّز نتاجهم، فيصبح بإمكاننا مثلاً أن نعرف قصيدة حسن شهاب الدين حتى لو لم نقرأ اسمه معها، هل يشغلك هذا الهاجس؟ وكيف يمكن للمبدع برأيك تحقيق التوازن الحرج، أعني الوصول إلى خلق البصمة دون الوقوع في فخ التكرار؟
أن يقدم نصّه الخاص، الذي يحمل خلفيته التراثية ومنجزات عصره، هذا هو ما يجعل للشاعر سمته الخاصة، فلكل شاعر خلفيته الثقافية وقراءاته، ولكل منهم حياته الخاصة، وذكريات طفولته، وتطلعاته، وأسفاره، ورؤيته لعالَمه وأحداث عصره، وكل هذا يجعل كل شاعر كوناً خاصاً لا يشبه الآخر، وهذا ما لا بد أن يكون ليكتب كل شاعر نصه الذي يحمل بصمته الشخصية. ولكن للأسف يتخلى البعض عن كل هذا المزيج الهائل، لينظر من ثقب إبرة، ومن زاوية ضيقة للشعر، فيكرر نفسه، أو يقلد غيره؛ وأمّا أنا فلا أتخلّى مطلقاً عن فرادتي في هذه الحياة، وعن كوني - كأي شخص في هذا العالم - مجرة شاسعة تدور في أبعاد لا نهائية من الحب والحلم والحزن أيضاً، ومشاركة الناس أعباء حياتهم، وأن أكون لسان هؤلاء البسطاء في ذات الوقت، وأظن أن هذا ما يجعل لشعري بصمته الخاصة، وهو - أخيراً - لأنه أنا مسكوباً على الورق.
-في كتابه "الكاتب والآخر" يقول (كارلوس ليسكانو):
"الكاتب دوماً اثنان، ذلك الذي يشتري الخبز والبرتقال، ويجري الاتصال الهاتفي، ويذهب إلى عمله، ويدفع فاتورة الماء والكهرباء، ويحيي الجيران، والآخر المبتكَر، ذلك الذي يكرس نفسه للكتابة، الأول يسهر على حياة المبتكَر العبثية والانعزالية"
هل تجد توصيف العلاقة بهذا الشكل التبعي صحيحاً؟ وكيف تصف أنت العلاقة بينك وبين حسن شهاب الدين الشاعر؟
"أنا وحسن شهاب الدين فرسا رهان ولا بد من أن أسبقه يوما". هكذا قلت من قبل، وما زلت متعباً من محاولة خروجي من كوني أنا إلى كوني حسن شهاب الدين، والعكس صحيح تماماً، والأمر أصبح أكثر تعقيداً مما يقوله (كارلوس ليسكانو)، فهو يفرق بين الكاتب وذاته، بين هذا المبدع وهذا الذي يقوم بأعباء الحياة، ولكنّ الأمر صار عندي إلى حد أنّي لم أعد أعرف أيّهما يكتب نصّي وأيّهما يلبّي نداء الحياة، حتّى إنني أؤكد أنّني لا أدري الآن أيّهما يجيب عن هذا السؤال تحديداً.
-سيرتك الأدبية مميزة وملفتة، لكن يندر أن تخلو أي مسيرة من الأخطاء، لو عاد بك الزمن، هل ستغير شيئاً في مسيرتك الشعرية؟ وبم ستنصح حسن شهاب الدين الشاعر قبل عشر سنوات مثلاً؟
يمكنني القول إنني منحت الشعر كل ما ينبغي أن يمنحه شاعر، بل وأكثر من ذلك، وليس في مسيرتي الشعرية ما يستحق أن أنصح حسن شهاب الدين بتعديله أو تغييره، فقد وقّع مع الشعر عقداً، والتزم بكل ما جاء فيه، وإن كان لي أن أعود بالزمن، لنصحته أن يمنح أولاده وأصدقاءه وقتاً أطول، أن يترك كتابه قليلاً، أن يكفّ عن التطلّع في وجوه الناس بحثاً عن الشعر، أن يتّخذ لعبة جديدة غير لعبة الكلمات، وأن يرى حياته بمنظار آخر غير منظار الأبجدية التي جعلته يرى العالم شعراً فقط.
عملي-
أعيدُ الأرضَ أجملَ
رغمَ ما في الأرضِ
مِنْ قَتْلى
ومِنْ فوضى دمِ
تقول هذا في إحدى قصائدك الجميلة، لكنْ لو ابتعدنا عن المجاز، ونظرنا بتمعّن إلى زمننا هذا الذي يعيش فيه العالم موجاتٍ محمومة من الموت بكثافة وبشاعة، هل ما تزال الكلمة برأيك مجدية بوصفها وسيلة نجاة؟ وهل تؤمن بأنّه ما زال بإمكان الشاعر أن يكون رسولاً للحياة والجمال؟
لعلّ هذا هو أصعب الأسئلة، ولعلّه الوحيد الذي لا إجابة شافية له، فمَن مِنّا لم يسأل نفسه عن جدوى ما يكتبه، وعن فائدة هذا الحبر المسكوب على الورق؟ مَن مِنّا لم يتساءل: أليس الخبَّاز والنجَّار والحداد والطبيب والمهندس أولى منّي بتغيير العالم؟ على الأقل هم يقدمون شيئاً نافعاً للحياة خلاف تلك الأحرف الهزيلة التي أقدمها!! كثيراً ما تساءلنا عن جدوى الشعر والموسيقى والنحت والرسم، ولكنْ من جهة أخرى، كيف نتخيل العالم بدونها؟ أليس الإنسان جسداً وروحاً؟ ألا تحتاج تلك الروح غذاءً أيضاً؟ ألا يحتاج الخبَّاز والحداد و.. و.. و.. أن يحلم ويغني ويرقص ويبكي؟ ألا تلبّي الفنون هذه الحاجة لديه؟ لذا لا بدّ أن أستمر في محاولة إزالة القبح عن العالم بكلماتي، ولا بدّ أن أستمر في هذه المهمة التي اختارني الشعر لها، وأن أحاول أن "أعيد الأرض أجمل، رغم ما في الأرض من قتلى ومن فوضى دمِ
"
-ماذا عنك قارئاً. هل القراءة جزء
من روتينك اليومي؟ وهل تقتصر قراءاتك على الشعر فقط؟ ما هو آخر كتاب قرأته؟
ليست القراءة جزءاً من روتيني اليومي، وإنّما الحياة بأسرها، لديّ هامش للقراءة، وفي مخطوط لديّ كتبت أنني سعيد أنّ أولادي سيذكرونني قارئًا عظيمًا نهِمًا، أكثر من تذكّرِهم لي شاعرًا كبيرًا، ويكفي من دلائل عشقي للشعر أنّني أقتطع من وقت القراءة شيئاً لكتابته. وحقيقةً أنا لا أدري آخر كتاب قرأته، فأنا ليس لي كتاب أطالع فيه، ثم أبدأ غيره، فقد تجاوز الأمر ذلك، فأنا أطالع في عدّة كتب في آن واحد، فمثلاً حولي الآن كتاب عن تجربة (نيرودا) مع مختارات من شعره، وكتاب في تفسير القرآن الكريم، وأعيد قراءة رحلة ابن بطوطة في الطبعة المغربية، ومختارات لشعراء الأندلس، وانتهيت من كتاب عن (وليم فوكنر)، لأبدأ آخر عن النظام العالمي الجديد لتشومسكي، وهكذا. فأنا أدور ككوكبٍ في مجرّة كتبٍ لا تنتهي، وهذا هو عملي الوحيد الذي أجيده مع كتابة الشعر.
-الذاكرة، كيان جميل وموجع في ذات الوقت، وإن كانت ذاكرة البشر عموماً لحظات وأحداثاً، فقد تكون ذاكرة الشاعر قصائد، حدثنا عن قصيدة لك تخدش روحك حين تستحضرها ذاكرتك، وعن أخرى تبتسم حين تمرّ في بالك.
للأسف، لا أستطيع أن أحدّد قصيدة تخدش روحي عند تذكّرها، ولا أخرى أبتسم لها، لأنّ كلّ قصائدي كذلك فأنا - حقاً - لا أكتب إلا لو لم تكن الكتابة هي الحل الأخير لدي، فإمّا كتبتُ أو اختنقتُ، ولا أصل لتلك الحالة إلا والأبجدية تخدش روحي بأظافرها، ولذا أتنفس فقط حين أضع القلم من يدي، وكما قلت في بيت الشعر الذي قدّمتُ به مختاراتي الشعرية في إسطنبول:
ما كانَ شِعرًا..
كانَ حبلَ نجاةِ
احتجتُ - كي أتنفَّسَ -
الكلماتِ.
Comments