جبروت الاستهلاك الكاسح
الثقافة المعلّبة تستأصل الحداثة
فاضل الجميعي/ السعودية
هل ترتبط الحداثة بزمنٍ محدّد تتعلّق به ويكون شاهدًا عليها؟ أم أن الحداثة عابرة للوقت، بحيث تكون صالحة لجميع العصور؟
من المعلوم أن الكثير من الإبداعات الثقافية في الفنون والآداب تحظى بهالة ضخمة من الذيوع، بانتشارها خارج حدود محيطها الذي نشأت فيه، وهي بتعلّقها بمفهوم الحداثة تشير للترويج عن نفسها بأنّها استلهام من الماضي أو عودة للتراث الشعبي، إلاّ أن تلك الصيحة الرائجة سرعان ما تخمد فورتها
مما يتيح للنقّاد والمتذوقين أن يراجعوا أصول ذلك المنتج الثقافي فيرجعونه لأصوله التي نبع منها،
والتي غالبًا ما تكون مجرّد تقليد لإنتاجات أخرى، فتلك الأغنية أو اللحن أو القصيدة أو اللوحة التي كانت تحصد النجاحات بعد تجريدها من حداثتها المزعومة تصبح نسخة تقليدية عادية جدًا.
التقليد المتكرّر
هذا التقليد منشأه الأساسي مستمد من ثقافات أخرى جوهرية، فيكون العمل التقليدي تلبّس الحداثة بشكلٍ مزوّر وهذا السبب في انطفاء شعلته؛ لأن كل من يريد تقديم ابداع جوهريٍّ فلا بد أن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بثقافته الأصيلة، وكذلك بالمعرفة الواعية العميقة لجوهر الثقافات العالمية، كي يتمكّن من تأسيس جوهرٍ حداثي بديع. فبأي طريقة سيتمكّن الكاتب من إنتاج كتابات تتوهّج في الحاضر وتتخطّاه لتشمل المستقبل وتكون مهيّأة للمقارنة مع الإبداعات المدوّنة من الماضي؟ بكلمة واحدة الإجابة هي (التجريب)
للتجربة قوة هائلة، يستطيع بها الكاتب أن يتعرّف إمكانياته والأساليب المتنوّعة التي يتمكّن بها من إنجاز كتاباته، ليس بالشرط أن تُصيب كتاباته هدفه في البداية، فمنذ الوهلة الأولى سيحسب أنه كتب شيئًا مهمًّا لم يسبقه إليه أحد، لكنه سيكتشف مع توالي التجارب وتنامي الخبرات أن كتاباته بحاجة للتحسّن، وأن ما أنجزه لا يعدو بدايات يمر بها كل من خاض غمار الكتابة.
يتطلّب التأليف القدرة، ليس فقط على التجربة، بل يتخطّاها ليشمل التكيّف مع الواقع الثقافي بدراسته والتبحّر في أعماق الغرض المقصود، و في حالة الكتابة فلا مناص من العزلة، لأجل الاغتراف من بئر معارفك الخاصة، ومعرفة ما قدّمه الآخرون؛ فإنك بحاجة للخلوة بالنفس، واستجواب الذات، لتعثر على اللحظة السعيدة التي ستبعث الحبور في روحك، وستمكّنك من الكتابة الحداثيّة الحقيقيّة.
ثقافة الفشّار
الآداب تتطلب التسامح بقدر ما تتطلب العدوانيّة الإيجابية.
من ناحية فإنّ تواضع النفس يمنحها المقدرة للتعرّف على الأنا وما تحتويه، وعلى الآخر و ما يحتويه. من ناحيةٍ أخرى الذات تحتاج لميادين التحدّي والتنافس لشحذ همّتها الإبداعية.
العداء للتكرار القديم ضروري للابتكار الجديد، للأفكار ثوب تلبسه وعلى المبدع أن يعثر على القماش المناسب أولًا، ثم يفصّله تفصيلًا مُحكمًا على مقاس إبداعه؛ ليتمكّن من بلورة الفكرة بالطريقة الفضلى.
علاوة على أن الحداثة بطابعها الجماهيري المعاصر تسير - اضطرارًا - في مجتمعٍ مُعولم بطبيعته؛ مما يجعل الفن ذا طابع متسارع يخلو من العمق الذي يتأتّى بالتأنّي قبل إتمام العمل.
هذا التسارع ذو هم تجاري في المقام الأول، لا يعبأ بالمستقبل، لا ينهل من الموروث، وبالتالي فهو غير معني بالمنجز المتراكم، بل أنظاره مصوّبة حصرًا صوب الحاضر، و هذا التوجّه إلى الحاضر هنا ليس بمعنى التثقيف والتعليم والتنوير، ونتيجةً لذلك فهو ليس بمعنى الديمومة بل بمعنى الاستهلاك.
والمستهلك ذو مفعول آني، ميزته أنه فوري الاستجابة والتأثير، لكنه لا يترك في المتلقي شيئًا ذا قيمة يحمله معه. إنه مثل الفشّار الذي يتناوله روّاد السينما أثناء جلوسهم على مقاعدهم واستمتاعهم بمشاهدة الفيلم المعروض، وتنتهي لذة الفشار بانتهاء الفيلم ومغادرة القاعة السينمائية.
من أين تأتي حداثة القصيدة؟
ما هي الأسس الجمالية التي تحتفظ بها ثقافة حداثية جماهيرية؟
إنها التعبئة المؤقتة للوقت، استمتاع يشغل الذهن والروح عن غيره، لكن مع زواله السريع تفتضح الحقيقة المرّة؛ يعود الخواء ليطل علينا من جديد.
أين يذهب الشاعر وسط جماهير لا تفهم القصيدة؟
من سيدافع عن قصيدة الشاعر؟ ولمن سيكتبها؟
إنها أزمة اغتراب وجودي، أن تعيش في عالم مسكون بالرجعية التي يطلق عليها حداثة، أي حداثة ستأتي من ثقافة تشبه المعلّبات الجاهزة للاستهلاك بمقدار الطلب المتزايد عليها؟
ليس ضد الانتشار، بل ضد الانتشار الرجعي، يجب أن يخوض المبدع صراعه عبر إنتاجه المتجدّد الذي يكتسب حداثته بأصالته.
اللوحة الرائعة ثورة مستمرة، ثورة تؤمِّن الاستقرار الثقافي للمجتمع، بتحسين ذوقه، وبشيوع الجماليات الفاتنة. عبر الرسم المتقن نحدد المعيار الذي ينبغي أن يتماشى معه الفن، ليس لتتشابه اللوحات وإنما ليكون كل إبداع رافدًا لإبداعٍ آخر، في عملية خلق مستمرة، تستهدف الإبقاء على الروح المتوثّبة للجمال.
أن تقاوم الضغوطات التي تستهدف استسهال العمل الفني وتفريغه من ماهيّته الأصيلة ليصبح مجرّد ترفيه عابر، ذلك ما يجب على الفنان الاشتغال عليه، بحيث تكون مهمّته - محاربة القبح و تعرية الأشكال المزيفة - عبر الاجتهاد في بناء معايير عالية للفن، تتطلّب الابتكار و التجديد الدائم.
يسعى الشاعر الحداثي أن يكتب بلغة مغايرة للسائد المألوف، التجديد اللغوي ليس بالأمر السهل، إنه ذروة الإبداع، ليصل الشاعر إليه عليه أن يحارب اللغة المعتادة التي يكتب بها الأغلبية ممّن ينسبون أنفسهم لمعشر الشعراء، بالتالي على الشاعر أن يحتضن قصيدته بالتجارب المتعدّدة، أن يحوّل القلم إلى: قمر، أو شمس، أو كوكب، هذه هي مهمة الشاعر، وليس الشكل هو القضية، بل جوهر القصيدة، مع عدم إغفال السمات التي تستوطن في روح كل قصيدة، من: موسيقى، ونغم، وسلاسة في المعنى.
اللغة الشعرية ليست رصفًا للكلمات، إنما هي خلْق للمعنى الفريد، هذا ما يشكّل حداثة الشعر.
لعل استلهام الأسطورة يغدو ذا فائدة ضخمة للأبيات الشعرية التي تتخلّص من عوائق الزيف العولمي، أن تمزّق المعاني العادية يعني أنك ستصل للمعاني الفيّاضة بالدهشة، لتمسك بها في قصيدتك، على الشعراء أن يمزّقوا القصائد السهلة إن أرادوا كتابة قصيدة حقيقية.
بماذا نسمّي قصائد تخلو من الشاعرية؟! هل نسمّيها انحطاطًا
لغويًّا؟
عندما ينحط الشعر تنحط اللغة.
اللغة تسمو بسمو الأدب.
البحث عن الجودة المفقودة
كل ثقافة داخلية لمجتمع ما بإمكانها الذيوع والانتشار خارج قواعدها المحلية، هذا يعزّز الثقافة، ولكن من سيقوم بذلك؟ أصحاب الثقافة أنفسهم قادرون على نشر ثقافتهم بتحديثها و تطويرها وتنميتها، فيتقبّلها الآخر لجودتها وليس بسبب فرضها عليه فرضًا كما يحصل في عالمنا اليوم، حيث الثقافة الأمريكية بحسناتها و سيئاتها هي الطاغية في بلدان العالم، ومن الطبيعي أن الإبداعات الكلاسيكية تغيب عن المشهد حين تستولي ثقافة العولمة على مجالات الفن والأدب.
البساطة الآسرة لا تحتمل البقاء في ثقافة تعتمد الغموض الذي يحيّر ويُربك، والتجارب ذات الأشكال العشوائية، بينما يقل المثقّفون الحقيقيون وسط هذا الركام الهائل من الهراء المدجّج بالدعاية الضخمة والإعلام الكاذب المُوجّه لأغراض استهلاكية بحتة.
يحتاج العمل المتقن إلى وقتٍ كاف لإتمامه، وليس من السهل الانتهاء من عمل ذي قيمة راقية في وقتٍ وجيز، ومع ذلك فهذا لا يبرّر اللجوء للأعمال السريعة، لم ينته مارسيل بروست من رائعته الخالدة (البحث عن الزمن المفقود) حيث بقي الجزء الأخير منها يحتاج للإضافة والتعديل، لكن ذلك لم يمنع روايته - التي نُشرت بعد وفاته - من الانتشار و النجاح الباهر.
إنها مسألة تتعلّق بالكيفية وليس بالكمية، وسواء كان العمل طويلًا - بسبعة أجزاء كرواية بروست - أو كان قصيرًا، فإنّ مقياس تميّز العمل يكمن في جودته التي تحافظ على متانة المنجز ثابتةً، ورصانته باقية، مهما توالت القرون.
الانغماس في المعاناة اللذيذة
إضافة لجودة العمل، هناك معناه. فما قيمة عمل لا معنى له، ولا يحفّز الأسئلة، ولا يثير المشاعر؟
امتازت السوريالية بقدرتها على التجديد، إلاّ أن ذلك لن يحول دون انتقادها على بعض أعمالها التي تخلو من المعنى، فأن أكون مجددًا هو أن أكون قادرًا على استثارة الدهشة الانفعالية للمتلقي، بغض النظر عن نوعية العمل الذي أقدّمه.
وعلاوة على ما سبق فإن الأحداث الاجتماعية المتغيّرة ليست قادرة بمفردها على صياغة التغيّر الحداثي المطلوب، لكي نستخلص الفائدة من أي حدثٍ جرى - كالثورات العربية المتتالية التي اندلعت في 2011م - فمن واجبنا الكتابة عن الثورة بالتسلّح بالبصيرة والمعرفة، وليس بردّات الفعل الشعورية. فالنتاج الثقافي الذي نشأ في أعقاب تلك الأحداث الكبرى لا يمكن أن نطلق عليه صفة الحداثة، لأنه لم يستلهم روح ما جرى بعين الإبداع، بل كان يكتب بلسان الانفعالات المتسارعة والمتبدّلة بلا تمحيص ولا مراجعة. لذا لم نظفر بأدب يستحق أن نسمّيه بأدب الثورة.
لم تكن هناك حداثة في الكتابة عن الثورات العربية، كانت الكتابات اجترارًا تكراريًا تتنافس لنقل ما يجري بأمنيات وليس بإبداعات.
والبداية لتحقيقها يعود بنا إلى تعريف الثقافة ودورها في إنشاء الحداثة المعرفية للمجتمع. فكما نضحك للكوميديا التي نراها في مسرحية الزعيم لعادل إمام أو مسرحية مراهق في الخمسين لعبدالحسين عبد الرضا، فإن نفس القالب الكوميدي يصاحبنا في حياتنا لحصول مقلب لنا أو لأحد الأشخاص، أو استماعنا لنكتة ساخرة، أو تذّكرنا لمواقف قديمة معينة، هذه عادات في عقلنا وبتنميتها فإننا نزيدها اتساعًا و كمية، إنها لا تتطلّب مواهب ثقافية خاصة بقدر تطلّبها لتراكم المواقف والمشاهدات.
أما الحداثة الثقافية الإنتاجية فلا بد من دراستها والتعب في تحصيلها للظفر بها بناءً على الاهتمامات لكل فرد، فقد يكون لي وصديقي ميول متشابهة في الذوق السينمائي، فتتقارب أفكارنا في اختيار ومشاهدة الأفلام والتعقيب عليها، لكن ليس هناك أفلام محدّدة يتوجّب علينا متابعتها دون سواها، هناك أفلام قد تحظى بالأفضليّة؛ نظرًا لتميّزها. مع ذلك من الأساسي أن يكون للمشاهد القدرة على تضمين ذخيرته المعرفية برؤى متنوّعة عبر مشاهدته لأفلام أخرى ترسّخ النقد لديه واقتناص الجماليّات لذوقه الفنّي، فلو كنا نهتم بأفلام الرومانسية والحب، على سبيل المثال، فإن عدم متابعتنا لأفلام الخيال العلمي لا يعد دليلًا على افتقارنا للثقافة السينمائية، إذ إن الانتقاء يعد من السمات الجوهرية في تشكيل البنية الحداثية للإنسان، مهما كانت نوعية انتقاءاته، المهم أن يكون ما يختاره نابعًا من أعمال أصيلة وثرية في جوانبها الخاصة، ففي حالة السينما من المهم أن يكون هناك اهتمام بروعة الإخراج وجودة النص وبراعة الممثلين وإتقانهم لأدوارهم، إضافة للالتقاطات البديعة للمخرجين، وتوزيع المشاهد واللقطات وغيرها من العوامل المساهمة في إنجاح الفيلم.
لقد أوضح الشاعر الكبير نزار قباني في البيت الأخير من القصيدة الدمشقية معاناته اللذيذة التي صحبته طيلة حياته في كتابة الشعر؛
حملت شعري على ظهري فأتعبني
ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟
معرفة الآخر مدخلًا للإبداع
إن وضع الحداثة في قوالب الاشتراطات العقائديّة والمناطقيّة والعنصريّة سوف يفقدها قوّتها الإنسانية الخلاّقة.
الحرية هي العنصر الأساس لتكوين حداثة المجتمع الفعّال، فلا يمكن إرغام فنان على الاستماع والتأليف لموسيقى ما واستبعاد ما عداها.
قولبة الثقافة في قوالب سياسية كما تفعل الرأسمالية حاليًا سيؤدي لما نراه اليوم من إقصاء شبه كلي للثقافات العالمية المختلفة، من يرفض التعدّد سيسقط في حفرة استبداده وسيناله الفشل ولو بعد حين.
من أساسيات الإبداع أن يُتاح المجال للتجريب و النهل من الموروث الغزير للمجتمع و الاطّلاع الواعي الموسّع على الثقافات الأخرى التي يريد أن ينهل منها، فلا يكفي أن أقرأ كتابًا للهايكو الياباني مثلًا لأنتج قصائد على منوالها أو أن أقرأ الإلياذة لأكتب ملحمة شعرية، لا بد - إضافة للقراءة - أن أتوسّع في المعرفة الثقافية لتلك الثقافة المختلفة عن ثقافتي، ليس فقط بقراءة أعمالها الشهيرة، بل بمعرفة تراثها وعاداتها وحتى معايشة سكان ذلك البلد والتعرف عن قرب على العوامل و المعتقدات التي يعيشون لأجلها، وسيتيح الاختلاط الجاد في ثقافة الآخر - ثقافته الأصيلة وليست ثقافته الإعلامية الاستهلاكية - على خلق القدرة لإبداع عمل حداثي جدير بالاحتفاء.
وسواءً كان العمل - يحاكي ذلك المجتمع الغريب أو يحاكي مجتمع الكاتب نفسه - فإنه سيكون قادرًا على تضمينه للإضافات التي ستمنح عمله التجديد ليغدو حداثيًا بامتياز.
متى نقف عن مطاردة السراب الجميل؟
على المبدع أن يتحلى بالقدرة على النقد البنّاء، فلا ينخدع بالأضواء البرّاقة التي يشاهدها ليلًا ونهارًا في محيطه الذي يعيش فيه.
عليه أن يدرك بوعيٍ واضح السراب الذي يتموضع حوله، سراب الثقافة الاستهلاكية التي تُظهِر له الدوحات الرائعة بأشجارها وأثمارها و أنهارها الجارية، ولكنه طيلة ركضه خلف السراب تتباعد عنه تلك الدوحة أكثر فأكثر، فلا يصل لها مهما ظل مطاردًا إياها، لأنه لا وجود لها أصلًا فكيف سننال شيئًا ليس له وجود من الأساس؟! إنها معضلة الرأسمالية الجشعة، وسيؤدي تتبّع الاستهلاك لأن نتبعه في كل شيء، وسنستهل يومنا بما اختتمنا به يومنا السابق؛ الرغبة في الوصول للدوحة الغنّاء والبساتين الخضراء، و لكن عبثًا نركض خلف السراب.
التاريخ خير معلّم لنا، وفي مجال الكتابة فالكتابة التاريخية الإبداعية لها قواعدها المهمة التي بها يتحقّق المقصود، فهناك فرق بين كتابة التاريخ وبين كتابة رواية تاريخيّة، فأن أكتب عن حدث تاريخي ما فهذا يتطلّب المصادر التي تتحدّث عمّا جرى كي نتمكّن من كتابة تتّصف بالمصداقية، أما حينما نكتب رواية فنحن لسنا بحاجة لكل التفاصيل لتلك الأحداث، فإلى جانب المعلومات فإن الرواية التاريخية تحتاج إلى الخيال والبراعة السردية لتأليف عمل حداثي، ولعل رواية نوتردام باريس للأديب الكبير (فيكتور هيغو) تعد مثالًا ممتازًا على العمل التاريخي الذي جمع الأحداث التاريخية مع الحبكة القصصية البارعة، مما أنتج عملًا جديرًا بالخلود.
فكل من قرأ الرواية انبهر عقله وهام قلبه بجمال الكاتدرائية العتيقة وتأثّر بالعواطف النبيلة لكوازيمودو تجاه ازميرالدا.
لا شك أن رواية هيغو نموذج للرواية التاريخية التي انتهجت نهج الحداثة الثقافية الفائقة الجودة فاستحقت خلودها، ليس فقط في فرنسا أو أوروبا، بل في العالم أجمع.
إن قراءة شاعر مثل المتنبي تعطينا أساسًا لكيفية ابتكار المعنى وتوظيف اللغة وإبداع الصورة واستغلال الموقف ومعايشة الحدث الذي كُتبت القصيدة فيه، ولكن ماذا نقول لمن يستقي ثقافته من شاشة الجوال وتطبيقات التواصل الاجتماعي؟ إنها أزمة وجودية حقيقية للحداثة، صار معظم الشعراء عملاءً للشاشة والإعلام، فأصبحت قصيدتهم قصيدة خُصّصت لمقاطع الفيديو القصيرة.
الخواء يسيطر على حداثتنا المعاصرة.
Comments