بلادٌ لا تُعَرِّيها الليالي
جاسم الصحيح
السعودية
(فلسطينٌ) لها انكشفَ (الغِطاءُ)
وتعرفُ كيف تُنْتَجَعُ السماءُ
فلا تَخْشَوْا إذا ذَهَبَتْ، فهذي-
دليلةُ كلِّ مَنْ ذهبوا وجاؤوا
تُزَيِّنُها المعارجُ في مداها
إذا الشهداءُ في (الأقصى) أضاؤوا
هِيَ اصْطُفِيَتْ.. وها هِيَ تلكَ تُبلَى
فما ينفكُّ يُبلَى الاصطفاءُ!
بلادٌ لا يزالُ الوحيُ فيها
مُقيمًا ما أقامَ بها الفداءُ
هُنا الآلامُ بالآمالِ تُوحي
وتُوحي باليقينِ الكبرياءُ
ويُوحي إنْ بكَى طفلٌ يتيمٌ
وتُوحي إنْ تَنَهَّدَتِ النساءُ
فإنْ تَكُنِ النبوَّةُ محضَ وحيٍ
هُنا ما زالَ يُولَدُ أنبياءُ!
وللزيتونِ (جبريلٌ)، وهذي-
(فلسطينٌ) بأَجْمَعِها (حراءُ)
وما عصرُ النبوَّةِ غيرَ عصرٍ
يُجَدِّدُهُ التَّجَلِّي والنَّقاءُ
يُجَدِّدُهُ من الثُّوَّارِ طُهرٌ
بَهِيٌّ كلَّما الثُّوَّارُ شاؤوا
على الدنيا العَفاءُ وساكِنِيها
وليس على (فلسطينَ) العَفاءُ
فما زالتْ تُبَايِعُها السَّواري
وينبتُ في حجارتِها الولاءُ
نرى شهداءَها؛ نبكي عليهِمْ
وللشهداءِ يبتسمُ البكاءُ!
(فلسطينٌ)؛ وللتاريخِ صوتٌ
يُناديها فيُطرِبُها النداءُ
بلادٌ لا تُعَرِّيها الليالي
عليها من أساميها رداءُ
هُنا (حيفا).. هُنا (يافا) و(عكَّا)
و(رامُ الله)... والمُدُنُ الوِضاءُ
أسامٍ خاطَها التاريخُ قِدْمًا
وطَرَّزَها، وإِبرَتُهُ البهاءُ
فإنْ جُرِحَتْ مدائنُها بإِسْمٍ
يُخاطُ من الجراحِ لها كِساءُ
وليسَ القدسُ مَحْضَ (القدسِ) منها
ولكنْ كلُّها قُدسٌ سَوَاءُ
وثَمَّةَ توأمانِ على رُباها
سماوِيَّانِ: (غَزَّةُ) والإباءُ
فـ(ـغَزَّةُ)؛ مثلما للبحرِ ماءُ
لها قَدَرُ البطولةِ، والقضاءُ
تَضُمُّ الريحَ إنْ عَصَفَتْ عليها
فـ(ـغَزَّةُ) والعواصفُ أصدقاءُ
(فلسطينٌ)؛ وإنَّ غَدًا كفيلٌ
بمَنْ لكِ أحسَنوا وبمَنْ أساؤوا
ومَنْ دَهَنُوا حقيقتَهُمْ طِلاءً
ومَنْ صَدَقُوكِ فانقشعَ الطِّلاءُ
وما دُمتِ (القضيَّةَ) فالضحايا
(قُضاةٌ)، والسلاحُ هُوَ (القضاءُ)
فيا جُرحَ العروبةِ.. يا لَجُرحٍ
يُضَرِّجُ فيهِ أَحْرُفَهُ، (الهجاءُ)!
دَعَوْنَا للضحايا فيكِ حتِّى
تَجَرَّحَ في مشاعرِنا، الدعاءُ
وكمْ تنهيدةٍ مِنَّا تعالتْ
تَبَطَّنَها لعِزَّتِكِ، الرجاءُ
ولكنْ إنْ تَكُ الآبارُ جَفَّتْ
فما جَفَّتْ من الأَمَلِ، الدِّلاءُ
ولا قَصُرَتْ بنا (أَلِفُ) الأماني
ولا زَحَفَتْ لنا باليأسِ (ياءُ)
ويا جُرحَ العروبةِ.. منذُ أَدمَى
حَشَانَا، ما تَنَكَّرَتِ الدماءُ
ولم نبرزْ إلى النسيانِ يومًا
بذاكرةٍ يُسَلِّحُها الخَلاءُ
لنا النَّصُّ المقدَّس إنْ تَعَرَّتْ
حقيقتُهُ، أَوِ اسْتَتَرَ العَراءُ
فبعضُ بلاغةِ المعنى تَجَلٍّ
وبعضُ بلاغةِ المعنى خَفَاءُ
عرفنا كيفَ في معناكِ نفنَى
فأَلْهَمَنَا الحياةَ بكِ، الفَنَاءُ
وأَسَّسَنَا الوفاءُ، فكيفَ يهوي
بناءٌ كانَ أَسَّسَهُ الوفاءُ!
نُعِيذُكِ أنْ تُرَيْ طَلَلًا مُسَجًّى
يُقامُ من الرياحِ لكِ العزاءُ
ثِقِي بإِنائِنا مهما تَشَظَّى..
بغَيرِ الحُبِّ ما نَضَحَ الإناءُ!
ومهما انشقَّ نَهْرُ هواكِ عنَّا
ضفافًا لا يُوَحِّدُها الإخاءُ
فنحنُ الساطعونَ لكِ انتماءً
كأَوضَحِ ما يُشِعُّ الانتماءُ
نُضِيءُ من الجذورِ متى أَضَأْنَا
ففي الأعماقِ يُختَزَنُ الضياءُ
ونُحْيِي نَزفَكِ الممتدَّ فينا
كما تُحْيِي القبورَ، الأولياءُ
وتَبَّ الجاحدونَ! فما بَرِحْنَا
نجومًا يستنيرُ بها المساءُ
مَشَيْنَا فيكِ عصرَ التيهِ قرنًا
يرفُّ من الهتافِ لنا لواءُ
تُوَثِّقُنا الهُوِيَّةُ في هوانا
فما الميثاقُ ميثاقٌ هباءُ!
فِدَائِيُّوكِ عاطفةً وحُبًّا
نشاءُ خلافَ ما الدنيا تشاءُ
فيُولَدُ طائرُ العنقاءِ مِنَّا
يُغَنِّي حَدَّ يُحرِقُهُ الغناءُ
Comments